الزَّرْعِ أَوْ قَالَ حَتَّى يَكْتَفِيَ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لِمَعْنَى الْجَهَالَةِ، وَالْغَرَرِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ شِرْبَ مَاءٍ، وَمَعَهُ أَرْضٌ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ عَيْنٌ مَمْلُوكَةٌ مَقْدُورَةُ التَّسْلِيمِ فَالْعَقْدُ يَرِدُ عَلَيْهَا، وَالشِّرْبُ يَسْتَحِقُّ بَيْعًا، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالْأَطْرَافِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهَا بِالْبَيْعِ ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْعًا فِي بَيْعِ الْأَصْلِ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَفْتَى أَنْ يَبِيعَ الشِّرْبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَرْضٌ لِلْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ فِيهِ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ، وَهَذِهِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِنَسَفَ قَالُوا الْمَأْجُورُ الِاسْتِصْنَاعُ لِلتَّعَامُلِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ فَكَذَلِكَ بَيْعُ الشِّرْبِ بِدُونِ الْأَرْضِ.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِهَا جَازَ كَمَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِفَاعُ بِالْأَرْضِ مِنْ حَيْثُ الزِّرَاعَةِ، وَالْغِرَاسَةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِالشِّرْبِ فَذِكْرَ الشِّرْبِ مَعَ الْأَرْضِ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِتَحْقِيقِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالِاسْتِئْجَارِ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا لَمْ يَكُنْ لَهُ شِرْبُهَا، وَلَا مَسْكُ مَا بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ عَيْنَ الْأَرْضِ بِذِكْرِ حُدُودِهَا فَمَا يَكُونُ خَارِجًا مِنْ حُدُودِهَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ، وَالشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ خَارِجٌ مِنْ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ اشْتَرَطَ شِرْبَهَا فَلَهُ الشِّرْبُ، وَلَيْسَ لَهُ الْمَسِيلُ؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ غَيْرُ الْمَسِيلِ فَالْمَسِيلُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ، وَالشِّرْبُ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ فِي الْمَسِيلِ فَبِاشْتِرَاطِ أَحَدِهِمَا لَا يَثْبُتُ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ خَاصَّةً، وَيُجْعَلُ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا.
وَلَوْ اشْتَرَطَ مَسِيلَ الْمَاءِ مَعَ الشِّرْبِ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالشَّرْطِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا كَانَ لَهُ الْمَسِيلُ، وَالشِّرْبُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِهَا فَالْمَقْصُودُ بِالْأَرَاضِيِ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِالْمَسِيلِ، وَالشِّرْبِ فَكَانَتْ مِنْ حُقُوقِهَا كَالطَّرِيقِ لِلدَّارِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ مَرَافِقَهَا؛ لِأَنَّ الْمَرَافِقَ مَا يُتَرَفَّقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَتَأَتَّى التَّرَفُّقُ بِالْأَرْضِ بِالشِّرْبِ، وَالْمَسِيلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ كُلَّ قَلِيلٍ، وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا كَانَ لَهُ الشِّرْبُ، وَالْمَسِيلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْهَا أَيْ مِنْ حُقُوقِهَا، وَلَكِنَّهُ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ عُرْفُ أَهْلِ اللِّسَانِ.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَلَيْسَ لَهُ مَسِيلُ مَاءٍ، وَلَا شِرْبٌ فِي الْقِيَاسِ إذَا أَطْلَقَ الْعَقْدَ كَمَا فِي الشِّرَاءِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ بِذِكْرِ الْحُدُودِ كَالْمُشْتَرِي فَكَمَا أَنَّ الشِّرْبَ، وَالْمَسِيلَ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ عَنْ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشِّرَاءِ فَكَذَلِكَ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَجَعَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَسِيلَ الْمَاءِ، وَالشِّرْبِ هُنَا بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ كَالْمُهْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute