للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَمَ النَّهْرِ، وَاحْتَبَسَ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَدْخُلُ فِي كُوَاهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَدْخُلُ إذَا لَمْ يُوَسِّعْ فَمَ النَّهْرِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْكُوَى عَنْ فَمِ النَّهْرِ فَجَعَلَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ مِنْ فَمِ النَّهْرِ إلَى أَسْفَلِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يُحْتَبَسُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَدْخُلُ فِي كُوَاهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَدْخُلُ إذَا كَانَتْ الْكُوَى فِي فَمِ النَّهْرِ.

وَسَأَلَتْهُ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ مِمَّنْ لَهُ هَذَا الشِّرْبُ قَالَ الشِّرْبُ مِيرَاثٌ بَيْنَ، وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي أَمْلَاكِهِ، وَحُقُوقِهِ، وَقَدْ تَمَلَّكَ بِالْمِيرَاثِ مَا لَا يَمْلِكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْقِصَاصِ، وَالدَّيْنِ، وَالْخَمْرِ يُمْلَكُ بِالْإِرْثِ فَكَذَلِكَ الشِّرْبُ، وَإِنْ أَوْصَى فِيهِ بِوَصِيَّةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ ثُمَّ مَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَالصَّدَقَةُ فِي الشِّرْبِ لِلْغُرُورِ، وَالْجَهَالَةِ أَوْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ فِي الْحَالِ، وَالْوَصِيَّةِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا تَبْطُلُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا يُثْمِرُ نَخِيلُهُ الْعَامُّ يَصِحُّ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِالشِّرْبِ.

، وَسَأَلَتْهُ عَنْ أَمِيرِ خُرَاسَانَ إذَا جَعَلَ لِرَجُلٍ شِرْبًا فِي هَذَا النَّهْرِ الْأَعْظَمِ، وَذَلِكَ الشِّرْبُ لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى أَوْ كَانَ لَهُ شِرْبُ كُوَّتَيْنِ فَزَادَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَأَقْطَعَهُ إيَّاهُ، وَجَعَلَ مُفَتَّحَةً فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا الرَّجُلُ أَوْ فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا قَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مِلْكِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةُ النَّظَرِ دُونَ الْإِضْرَارِ بِالْعَامَّةِ فَفِيمَا لَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ يَكُونُ هَذَا الْإِقْطَاعُ مِنْهُ نَظَرًا لِمَنْ أَقَطَعَهُ إيَّاهُ، وَفِيمَا يَضُرُّ بِهِمْ يَكُونُ هَذَا الْإِقْطَاعُ إضْرَارًا بِالْعَامَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ يُوضِحُهُ أَنَّ فِيمَا يَضُرُّ بِهِمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَمْنَعَ فَالْإِمَامُ فِي الْإِقْطَاعِ يَكُونُ مُبْطِلًا حَقَّهُ، وَلَهُ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ حَقِّ الْعَامَّةِ لَا وِلَايَةُ الْإِبْطَالِ، وَفِيمَا لَا يَضُرُّ بِهِمْ قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إقْطَاعٍ مِنْ الْإِمَامِ فَبَعْدُ الْإِقْطَاعِ أَوْلَى، وَإِذَا أَصْفَى أَمِيرُ خُرَاسَانَ شِرْبَ رَجُلٍ، وَأَرْضُهُ، وَأَقْطَعَهَا لِرَجُلٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ، وَيَرُدُّ إلَى صَاحِبِهَا الْأَوَّلِ، وَإِلَى، وَرَثَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِصْفَاءِ الْغَصْبُ، وَلَكِنْ حَفِظَ لِسَانَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْغَصْبِ فِي أَفْعَالِ السَّلَاطِينِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَعْضِ الْوَحْشَةِ، وَاخْتَارَ لَفْظُ الْإِصْفَاءِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى تَوْقِيرِ السُّلْطَانِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُوصِي أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُوَقِّرًا لِسُلْطَانِهِ ثُمَّ فِي هَذَا الْفِعْلِ السُّلْطَانُ كَغَيْرِهِ شَرْعًا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ»، وَتُمْلِيك مِلْكِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ يَكُونُ لَغْوًا فَيَجِبُ رَدُّ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ حَيًّا، وَعَلَى، وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَكَذَا فِيمَا حَازَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَمْلَاك النَّاسِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا اسْتَخْلَفَ أَمَرَ بِرَدِّ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا أَخَذُوهَا ظُلْمًا.

وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى شِرْبٍ بِغَيْرِ أَرْضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>