للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْأُخْرَى ثُمَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ طَرِيقٍ بَيْنَ قَوْمٍ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ طَرِيقًا فِي دَارٍ أُخْرَى، وَسَاكِنُ تِلْكَ الدَّارِ غَيْرُ سَاكِنِ هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ وَاحِدًا، وَإِذَا أَرَادَ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَسْقِيَ مِنْ هَذَا النَّهْرِ نَخِيلًا فِي أَرْضٍ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا فِي هَذَا النَّهْرِ شِرْبٌ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ زَرْعًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الْأُخْرَى، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَصْحَابُ النَّهْرِ رَجُلًا يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ الشِّرْبَ كُلَّ شَهْرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَيَقُومُ عَلَى نَهْرِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ مَنَافِعَهُ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْمُدَّةِ، وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَالْبَدَلُ الَّذِي بِمُقَابِلَتِهَا مَعْلُومٌ، وَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ بِشِرْبٍ مِنْ النَّهْرِ مَكَانَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَهِيَ كَالْمَبِيعِ، وَالشِّرْبُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا مَقْصُودًا، وَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَاهُ مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.

وَلَوْ أَعْطَوْهُ كَفِيلًا بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْأَصِيلِ، وَلَيْسَ عَلَى الْأَصِيلِ مِنْ تَسْلِيمِ الشِّرْبِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ.

وَإِذَا احْتَفَرَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ نَهْرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ عَلَى مِسَاحَةِ أَرَاضِيِهِمْ، وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَوَضَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهِ غَلَطًا رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْفَوْا ذَلِكَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ، وَلَوْ، وَضَعُوا عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ - رَجَعُوا عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَوْفَاهُمْ بَعْضَ مَا كَانَ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّهِمْ عَنْهُ فَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِالْفَضْلِ.

وَإِذَا كَانَ نَهْرًا بَيْنَ قَوْمٍ فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُسَمُّوا لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ شِرْبًا مُسَمًّى، وَفِيهِمْ الْغَائِبُ، وَالشَّاهِدُ فَقَدِمَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُمْ لَمْ تَكُنْ بِحَضْرَتِهِ، وَلَا بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ فِي تَمْيِيزِ نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهَا لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَإِنْ كَانُوا أَوْفَوْهُ حَقَّهُ، وَحَازُوهُ، وَقَسَّمُوهُ، وَأَبَانُوهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَضَ احْتَاجَ إلَى إعَادَتِهِ مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ النَّقْضِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَكَانَ فِي النَّقْضِ مُتَعَنِّتًا.

، وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِثَمَنِ الشِّرْبِ، وَلَا بِالْأُجْرَةِ بِمُقَابَلَةِ الشِّرْبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا يَصْلُحُ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِالْكَفَالَةِ فَإِنْ نَقَدَ الْكَفِيلُ الثَّمَنَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ الَّذِي نَقَدَهُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْهُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُؤَدِّي بِالضَّمَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا، وَكَّلَ رَجُلٌ، وَكِيلًا بِشِرْبِهِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ، وَيَقُومُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>