للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي رَشَّ ضَمَانٌ بِخِلَافِ مَنْ مَشَى عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَانَ لَا يُبْصِرُهُ بِأَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ كَانَ لَيْلًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي رَشَّ الطَّرِيقَ إذَا عَطِبَ بِهِ الْمَاشِي، وَتَمَامُ بَيَانِ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الدِّيَاتِ، وَإِصْلَاحُ النَّهْرِ الْعَامِّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُعَدٌّ لِذَلِكَ.

وَلَوْ أَنَّ الْوَالِيَ أَذِنَ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْصِبَ طَاحُونَةً عَلَى مَاءٍ لِقَوْمٍ خَاصَّةً فِي أَرْضٍ لِرَجُلٍ، وَلَا يَضُرُّ أَهْلَ النَّهْرِ شَيْءٌ، وَأَهْلُ النَّهْرِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ أَوْ يَضُرُّهُمْ، وَالْوَالِي يَرَى فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِلْعَامَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَصَاحِبِ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَاصٌّ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ النَّظَرِ فِي الْمِلْكِ الْخَاصِّ لِإِنْسَانٍ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ فِيهِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الرَّعَايَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْ الْمَالِكِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَخَوْفِ الْهَلَاكِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَمَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَخْمَصَةِ فَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْإِمَامِ هُنَا.

أَهْلُ مَدِينَةٍ بَنَوْهَا بَعْدَ قِسْمَةِ الْوَالِي بَيْنَهُمْ، وَتَرَكَ فِيهَا طَرِيقًا لِلْعَامَّةِ فَرَأَى الْوَالِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ الطَّرِيقِ أَحَدًا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَدِينَةُ لِلْوَالِي فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا يَنْبَغِي لِلَّذِي يُعْطَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثَابِتٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِلْإِمَامِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمْ دُونَ الْإِسْقَاطِ، وَإِيثَارُ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا جَاءَ بِكُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ أَخَذْتهَا مِنْ الْفَيْءِ لِأَخِيطَ بِهَا بَرْذعَةَ بَعِيرِي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّا نَصِيبِي مِنْهَا فَهُوَ لَك فَلَمَّا تَحَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَخْصِيصِهِ بِتِلْكَ الْكُبَّةِ دُونَ سَائِرِ الْغَانِمِينَ عَرَفْنَا أَنَّ عَلَى كُلِّ وَالِي أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا.

قَوْمٌ اقْتَسَمُوا أَرْضًا لَهُمْ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِإِنْكَارِهِ حَقَّ الْغَيْرِ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَفْرُغُوا مِنْ الْقِسْمَةِ جَعَلُوا الطَّرِيقَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا شَاءُوا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي الطَّرِيقِ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَإِنَّ الْأَثَرَ الْمَرْوِيَّ فِيهِ بِالتَّقْدِيرِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ هُنَا فَقَالَ بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَثَرٌ يَرْفَعُهُ «إذَا اشْتَجَرَ الْقَوْمُ فِي الطَّرِيقِ جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ»، وَلَا نَأْخُذُ بِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَحَقٌّ هَذَا الْحَدِيثُ أَمْ لَا.

وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَقٌّ أَخَذْنَا بِهِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَثَرٌ شَاذٌّ فِيمَا يَحْتَاجُ الْخَاصُّ، وَالْعَامُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ عَمَلُ النَّاسِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَتَحُوا الْبِلَادَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي تَقْدِيرِ الطَّرِيقِ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّاسِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>