للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخَمْرِيَّةِ كَمَا قُلْنَا، فَيُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا، فَيَقُولُ لِاعْتِبَارِ جَانِبِ إحْدَاثِ الْمُجَاوَرَةِ لَا يَحِلُّ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْحَلَاوَاتِ فِيهِ، وَلِاعْتِبَارِ جَانِبِ إتْلَافِ صِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ يَحِلُّ التَّخْلِيلُ.

فَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّخْلِيلِ، فَالْمُرَادُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْخَمْرُ اسْتِعْمَالَ الْخَلِّ بِأَنْ يُؤْتَدَمَ بِهِ، وَيُصْطَبَغَ بِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ، وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَأَنْ تُتَّخَذَ الدَّوَابُّ كَرَاسِيَّ»، وَالْمُرَادُ الِاسْتِعْمَالُ «، وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: ٣١] قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا عَبَدْنَاهُمْ قَطُّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَيْسَ كَانُوا يَأْمُرُونَ، وَيَنْهَوْنَ، فَيُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هُوَ ذَاكَ» قَدْ فَسَّرَ الِاتِّخَاذَ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ ذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ، «أَفَلَا أُخَلِّلُهَا؟ قَالَ نَعَمْ»، وَإِنْ صَحَّ مَا رُوِيَ، فَإِنَّمَا نَهَى عَنْ التَّخْلِيلِ فِي الِابْتِدَاءِ لِلزَّجْرِ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ، فَقَدْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الِانْزِجَارُ عَنْ الْعَادَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِرَاقَةِ الْخُمُورِ، وَنَهَى عَنْ التَّخْلِيلِ لِذَلِكَ كَمَا أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ فِي اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ، ثُمَّ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعِفُّوا فِي خُمُورِ الْيَتَامَى إذْ لَمْ يَبْقَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ فِي خُمُورِ الْيَتَامَى أَيْضًا بِالْإِرَاقَةِ لِلزَّجْرِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ الْمَنْعُ مِنْ إفْسَادِ مَالِ الْيَتِيمِ لَا إصْلَاحُ مَا فَسَدَ مِنْهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنْ شَاةَ الْيَتِيمِ إذَا مَاتَتْ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ دَبْغُ جِلْدِهَا، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَهُ جَازَ، فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخْلِيلُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَهُ كَانَ جَائِزًا إذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّخْلِيلِ، فَكَذَلِكَ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْمُرَبَّى مِنْ الْخَمْرِ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ، وَالسَّمَكِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِصِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ كَمَا فِي التَّخْلِيلِ، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ تَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ مَا بَيَّنَّا مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ السِّيَاسَةِ لِلزَّجْرِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بَيْعُ الْخَمْرِ، وَلَا أَكْلُ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا رِجْسًا، فَيَقْضِي ذَلِكَ بِنَجَاسَةِ الْعَيْنِ، وَفَسَادِ الْمَالِيَّةِ، وَالتَّقْوِيمِ كَمَا فِي الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَقَدْ أَمَرَ بِالِاجْتِنَابِ عَنْهَا، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْمُسْلِمِ الِاقْتِرَابُ مِنْهَا عَلَى جِهَةِ التَّمَوُّلِ بِحَالٍ، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ أَبَا عَامِرٍ كَانَ يُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاوِيَةً مِنْ خَمْرٍ كُلَّ عَامٍ، فَأَهْدَى لَهُ فِي الْعَامِ الَّتِي حُرِّمَتْ فِيهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِي خَمْرِك قَالَ: خُذْهَا، وَبِعْهَا، وَانْتَفِعْ بِثَمَنِهَا فِي حَاجَتِك، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا أَبَا عَامِرٍ إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا، وَأَكْلَ ثَمَنِهَا.» «، وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ ثَمَنِهَا، فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ

<<  <  ج: ص:  >  >>