أَعْضَائِهَا كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهَا؛ لِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ، وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ، وَلَكِنْ يُنْزَعُ عَنْهَا الْحَشْوُ، وَالْفَرْوُ لِكَيْ يَخْلُصَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَيْرُ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ لَمْ يُنْزَعْ ذَلِكَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ، وَكَذَلِكَ لَا يُطْرَحُ عَنْهَا خِمَارُهَا، وَتُضْرَبُ قَاعِدَةً لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا هَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُضْرَبُ الرِّجَالُ قِيَامًا، وَالنِّسَاءُ قُعُودًا.
وَالْأَصْلُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِشَارِبِ خَمْرٍ، وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَعْلَيْهِ»، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَوْطًا، وَالْخَبَرُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، فَهُوَ مَشْهُورٌ، وَقَدْ تَأَكَّدَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا الْعَمَلُ بِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ جَعَلَ حَدَّ الشُّرْبِ ثَمَانِينَ سَوْطًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَرَبَهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَعْلَيْهِ كَانَ الْكُلُّ فِي مَعْنَى ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ، فَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْحَدِّ بِهِ، وَفِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالسُّكْرِ، فَحَدُّ السُّكْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الْأُنْثَى مِنْ الذَّكَرِ، وَلَا نَفْسَهُ مِنْ حِمَارٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ يَخْتَلِطَ كَلَامُهُ، فَلَا يَسْتَقِرُّ فِي خِطَابٍ، وَلَا جَوَابٍ، وَاعْتُبِرَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ اخْتَلَطَ كَلَامُهُ بِالشُّرْبِ يُسَمَّى سَكْرَانَ فِي النَّاسِ، وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتَبَرَ النِّهَايَةَ، فَقَالَ فِي الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ تُعْتَبَرُ النِّهَايَةُ كَمَا فِي السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا، وَنِهَايَةُ السُّكْرِ هَذَا أَنْ يَغْلِبَ السُّرُورُ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى لَا يُمَيِّزَ شَيْئًا عَنْ شَيْءٍ.
وَإِذَا كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِعَقْلِهِ مَعَ مَا بِهِ مِنْ السُّرُورِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نِهَايَةُ السُّكْرِ، وَفِي النُّقْصَانِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلِهَذَا، وَافَقَهُمَا فِي السُّكْرِ الَّذِي يَحْرُمُ عِنْدَهُ الشُّرْبُ إذْ الْمُعْتَبَرُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّهَايَةِ فِيهِ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالْحِلُّ، وَالْحُرْمَةُ يُؤْخَذُ فِيهِمَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَأَيَّدَ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مَنْ بَاتَ سَكْرَانًا بَاتَ عَرُوسَ الشَّيْطَانِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ إذَا أَصْبَحَ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّكْرَانَ مَنْ لَا يُحِسُّ بِشَيْءٍ مِمَّا يُصْنَعُ بِهِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِهِمَا، وَحُكِيَ أَنَّ أَئِمَّةَ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا، فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ أَمِيرًا بِبَلْخٍ أَتَاهُ بَعْضُ الشُّرَطِ بِسَكْرَان، فَأَمَرَهُ الْأَمِيرُ أَنْ يَقْرَأَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١]، فَقَالَ السَّكْرَانُ لِلْأَمِيرِ: اقْرَأْ أَنْتَ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ أَوَّلًا، فَلَمَّا قَالَ الْأَمِيرُ {: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢]: فَقَالَ قِفْ، فَقَدْ أَخْطَأْت مِنْ وَجْهَيْنِ تَرَكْت التَّعَوُّذَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ، وَتَرَكْت التَّسْمِيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute