لِإِفْطَارِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ مُلْزِمٌ لِلْحَدِّ، وَمُهْتِكُ حُرْمَةَ الشَّهْرِ، وَالصَّوْمِ يَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ، وَلَكِنَّ الْحَدَّ أَقْوَى مِنْ التَّعْزِيرِ، فَيُبْتَدَأُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يُوَالِي بَيْنَهُ، وَبَيْنَ التَّعْزِيرِ لِكَيْ يُؤَدِّيَ إلَى الْإِتْلَافِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِالنَّجَاشِيِّ الْحَارِثِيِّ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَحَدَّهُ، ثُمَّ حَبَسَهُ حَتَّى إذَا كَانَ الْغَدُ أَخْرَجَهُ، فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا، وَقَالَ: هَذَا لِجَرَاءَتِك عَلَى اللَّهِ، وَإِفْطَارِك فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
رَجُلٌ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الْإِمَامَ، وَقَدْ شَرِبَ خَمْرًا، أَوْ سَكِرَ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ، أَوْ سَرَقَ، أَوْ زَنَى ثُمَّ تَابَ، وَأَسْلَمَ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا خَلَا الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَافِرٌ، وَحَدُّ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ لَا يُقَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ سَبَبِهِ، فَإِذَا كَانَ ارْتِكَابُهُ سَبَبَهُ فِي حَالٍ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ لَا يُقَامُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، فَيُقَامُ عَلَى الْكَافِرِ لِاعْتِقَادِهِ حُرْمَةَ سَبَبِهِ، فَيُقَامُ عَلَى الْمُرْتَدِّ بَعْدَ إسْلَامِهِ أَيْضًا كَالذِّمِّيِّ إذَا بَاشَرَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَسْلَمَ.
وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى رِدَّتِهِ، وَمَتَى اجْتَمَعَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى النَّفْسُ، وَمَا دُونَهَا يُقْتَلُ، وَيُلْغَى مَا سِوَى ذَلِكَ، وَأَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ، فَفِيهِ مَعْنَى حَقِّ الْعَبْدِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَإِنْ شَرِبَ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمَّا، وَقَعَ فِي يَدِ الْإِمَامِ ارْتَدَّ، ثُمَّ تَابَ لَمْ يَحُدَّ، وَإِنْ كَانَ زَنَى، أَوْ سَرَقَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ مَا اعْتَرَضَ مِنْ الرِّدَّةِ يَمْنَعُ وُجُوبَ حَدِّ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ عَلَيْهِ، فَيَمْنَعُ بَقَاءَهُ، وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ حَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ، وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ: إذَا ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ سَرَقَ، أَوْ زَنَى، أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ سَكِرَ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ، ثُمَّ تَابَ، وَأَسْلَمَ لَمْ يُحَدَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْقَذْفِ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ أَيْضًا شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ غَيْرَ حَدِّ الْقَذْفِ، وَيُقْتَلُ، وَإِنْ أَخَذْتَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ شَارِبًا خَمْرًا، أَوْ زَانِيًا، أَوْ سَارِقًا، فَلَمَّا، وَقَعَ فِي يَدِك ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَاسْتَتَبْتَهُ، فَتَابَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا زَنَى، أَوْ سَرَقَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بَعْدَ تَوْبَتِهِ كَمَا لَا يُقَامُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْبِيِّ، فَإِنَّهُ اعْتَقَدَ مُحَارَبَتَهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهَا، وَالْحَرْبِيُّ إذَا ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ، وَفُرِّقَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ مَا إذَا زَنَى، أَوْ سَرَقَ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَقَالَ هُنَاكَ حِينَ ارْتَكَبَ السَّبَبَ مَا كَانَ حَرْبِيًّا لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ مُسْتَوْجِبًا لِلْحَدِّ، وَلَمْ يَزُلْ تَمَكُّنُ الْإِمَامِ مِنْ إقَامَتِهِ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْتَغِلُ بِهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ لِاسْتِحْقَاقِ نَفْسِهِ بِالرِّدَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute