فَإِنْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْهُمْ مُحْتَاجٌ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ فُقَرَاءِ غَيْرِهِمْ لِقُرْبِهِمْ فَلَوْ وَضَعَهَا الْإِمَامُ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَسِعَهُ ذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَهَا إلَى غَيْرِهِمْ جَازَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ
(قَالَ): وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا وَلَمْ يُقِرَّ وَلَيْسَ فِي الدِّيوَانِ اسْمُهُ، وَلَا يَلِي لِلْمُسْلِمِينَ شَيْئًا لَمْ يُعْطَ مِنْ الْخَرَاجِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالْكَسْبِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْمَلُ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ مَالِهِمْ.
(قَالَ): وَتَجِبُ لِلْإِمَامِ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَدْرَ مَا يُغْنِيه يُفْرَضُ لَهُ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اُسْتُخْلِفَ رَآهُ عُمَرُ يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ أَهْلِهِ فَقَالَ: إلَى أَيْنَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: إلَى السُّوقِ أَبِيعُ مَتَاعًا لِأَهْلِي لِأُنْفِقَهُ فِي حَوَائِجِي فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ وَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمَيْنِ وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ عَلَى مَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى عَائِشَةَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ تَرُدَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رَحِمَك اللَّهُ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبْت مَنْ بَعْدَك وَعُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ كَانَ يَأْخُذُ الْكِفَايَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْجَزُورَ يُنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ وَالْعُنُقُ مِنْهُ لِآلِ عُمَرَ أَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِثَرْوَتِهِ وَيَسَارِهِ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَكَانَ يَأْخُذُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ مَالِي مِنْ مَالِكُمْ كُلُّ يَوْمٍ قَصْعَتَا ثَرِيدٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَنِيًّا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَخَذَ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ عَلَى مَا أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي حَقِّ الْأَوْصِيَاءِ {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦]
(قَالَ)، وَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُمْ الْعَاشِرُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ صَارَ حَقًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إذَا كَانَ مُحْتَاجًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ يُعْطَى قَدْرَ حَاجَتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَسْأَلُ فَقَالَ: مَا أَنْصَفْنَاهُ أَخَذْنَا مِنْهُ فِي حَالَ قُوَّتِهِ وَلَمْ نَرُدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ ضَعْفِهِ وَفَرَضَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ شَاذٌّ فَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ عُلَمَاؤُنَا، وَرَأَوْا أَنَّ مِنْ التَّرْغِيبِ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يُعْطَى مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مَا لَمْ يُسْلِمْ.
(قَالَ): وَأَمِيرُ الْجَيْشِ فِي الْغَنِيمَةِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنْ الْجُنْدِ إنْ كَانَ فَارِسًا فَلَهُ سَهْمُ الْفَرَسَانِ وَإِنْ كَانَ رَاجِلًا فَلَهُ سَهْمُ الرَّجَّالَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْعَلُ سَهْمَهُ فِي الْغَنِيمَةِ كَسَهْمِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ مَنْ جَاهَدَ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْغَنَائِمِ ثَلَاثُ حُظُوظِ: خُمُسُ الْخُمُسِ وَصَفِيٌّ يَصْطَفِيه لِنَفْسِهِ مِنْ دِرْعٍ، أَوْ سَيْفٍ، أَوْ جَارِيَةٍ وَسَهْمٌ كَسَهْمِ أَحَدِهِمْ فَخُمُسُ الْخُمُسِ وَالصَّفِيُّ كَانَ هُوَ مُخْتَصًّا بِهِ أَخَذَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute