بَاشَرَ الْقَتْلَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ إذَا قَدَرَ عَلَى قَتْلِ الْمُكْرِهَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ كَمَا لَوْ كَانَ طَائِعًا، وَبِهِ نُعَلِّلُ.
، فَنَقُولُ: كُلُّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكْرَهِ بِالْإِكْرَاهِ كَالْإِثْمِ، وَالتَّفْسِيقِ، وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَإِبَاحَةِ قَتْلِهِ لِلْمَقْصُودِ بِالْقَتْلِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الضَّرُورَةِ فِي إسْقَاطِ الْإِثْمِ دُونَ الْحُكْمِ حَتَّى إنَّ مَنْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ يُبَاحُ لَهُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ، وَيَكُونُ ضَامِنًا، ثُمَّ هُنَا لَا يَسْقُطُ إثْمُ الْفِعْلِ عَنْ الْمُكْرَهِ، فَلَأَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ حُكْمُ الْقَتْلِ أَوْلَى، وَلَمَّا جَعَلَ هَذَا نَظِيرَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ فِي إثْمِ الْفِعْلِ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا يَأْثَمُ إثْمَ سُوءِ الِاخْتِيَارِ، أَوْ إثْمَ جَعْلِ الْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى هَذَا كُلِّهِ كَمَا هُوَ مُكْرَهٌ عَلَى الْقَتْلِ.
وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ أَيْضًا لِلسَّبَبِ الْقَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الْقَتْلِ بِهَذَا الطَّرِيقِ ظَاهِرٌ مِنْ الْمُتَخَيِّرَيْنِ، وَالْقِصَاصُ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ الزَّجْرِ، فَيُقَامُ السَّبَبُ الْقَوِيُّ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ لِتَغْلِيظِ أَمْرِ الدَّمِ، وَتَحْقِيقِ مَعْنَى الزَّجْرِ كَمَا قَالَ فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ يَلْزَمُهُمْ الْقَوَدُ قَالَ، وَعَلَى أَصْلِكُمْ حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ يَجِبُ عَلَى الرَّدَى بِالسَّبَبِ الْقَوِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ يُقْتَلُونَ بِالْوَاحِدِ قِصَاصًا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الزَّجْرِ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْقَوَدَ عَلَى الْمُمْسِكِ يَسْتَدِلُّ بِهَا أَيْضًا، فَنَقُولُ الْمُمْسِكُ قَاصِدٌ إلَى قَتْلِهِ مُسَبِّبٌ لَهُ، فَإِذَا كَانَ التَّسْبِيبُ يُقَامُ مُقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فِي أَخْذِ بَدَلِ الدَّمِ، وَهُوَ الدِّيَةُ يَعْنِي حَافِرَ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ إلَّا أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ إذَا قَصَدَ شَخْصًا بِعَيْنِهِ يَكُونُ عَامِدًا، فَيَلْزَمُهُ الْقَوَدُ، وَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِتَسَبُّبِهِ شَخْصًا بِعَيْنِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْطِئِ، فَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَرِيقٌ آخَرُ أَنَّ الْمُكْرَهَ مَعَ الْمُكْرِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ وُجِدَ مِنْ الْمُكْرِهِ، وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهُوَ الِانْتِقَامُ يَحْصُلُ لَهُ، وَالْمُبَاشَرَةُ وُجِدْت مِنْ الْمُكْرَهِ، فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ، ثُمَّ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَهُوَ الْمُكْرِهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْآخَرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا كَشَرِيكَيْنِ أَنَّهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي إثْمِ الْفِعْلِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَهُمَا جَمِيعًا.
، وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُكْرَهَ مُلْجَأٌ إلَى هَذَا الْفِعْلِ، وَالْإِلْجَاءُ بِأَبْلَغِ الْجِهَاتِ يَجْعَلُ الْمُلْجَأَ آلَةً لِلْمُلْجِئِ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ كَمَا فِي إتْلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَيَصِيرُ الْمُكْرَهُ آلَةً لَهُ حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حُكْمِ الْإِتْلَافِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُبَاشِرَ، وَالْمُتَسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا فِي الْإِتْلَافِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ، وَلَمَّا وَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ عَلَى الْمُكْرِهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِتْلَافَ مَنْسُوبٌ إلَى الْمُكْرِهِ، وَلَا طَرِيقَ لِلنِّسْبَةِ إلَيْهِ سِوَى جَعْلِ الْمُكْرَهِ آلَةً لِلْمُكْرِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيهِ بِأَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute