للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَعْدَهُ، فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفَسْخِهِ، وَاَلَّذِي شَرَطَ الْخَمْرَ لَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِفَسْخِهِ، وَصَاحِبُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِوُجُودِ بَدَلٍ آخَرَ عَلَيْهِ سِوَى الْمُسَمَّى، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الْفُصُولِ، فَالْمُفْسِدُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ لِمَعْنًى وَرَاءَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ، وَلِهَذَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِالْإِجَازَةِ، فَمَنْ لَيْسَ فِي جَانِبِهِ الْمَعْنَى الْمُفْسِدُ قَدْ تَمَّ الرِّضَا مِنْهُ بِمِلْكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ الْمُسَمَّى، وَبِإِجَازَةِ صَاحِبِهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا ذَلِكَ، فَلِهَذَا لَا يَنْفَرِدُ بِفَسْخِهِ بَعْدَ تَأَكُّدِ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ.

وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ مِنْ آخَرَ، وَقَدْ كَانَ قَبَضَهُ بِتَسْلِيمِ الْبَائِعِ مُكْرَهًا، فَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِي، وَأَخَذَ عَبْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِي فِي كَوْنِهِ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ كَالْأَوَّلِ، وَالْبَائِعُ غَيْرُ رَاضٍ بِوَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ فَيَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِرْدَادِهِ، وَبِاسْتِرْدَادِهِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعَانِ جَمِيعًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ أَمْرِ الْبَائِعِ، فَبَاعَهُ كَانَ جَائِزًا لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ، وَلِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِالْعَقْدِ الثَّانِي حِينَ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا اسْتَرَدَّهُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُكْرَهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِشَرْطِ أَجَلٍ، أَوْ خِيَارٍ لِمَجْهُولٍ، فَالْمُشْتَرِي هُنَاكَ إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَفَذَ بَيْعُهُ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِي حَصَلَ بِرِضَا الْبَائِعِ الْأَوَّلِ تَسْلِيطَهُ عَلَيْهِ، فَتَسْلِيمُهُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي طَائِعًا يَكُونُ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَهُنَا الْبَيْعُ الثَّانِي كَانَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى التَّسْلِيمِ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْبَيْعَيْنِ، وَاسْتِرْدَادِ الْعَبْدِ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ، فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي اسْتِرْدَادِ الْعَبْدِ، فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ، وَيَدِهِ كَمَا لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ، وَبَاعَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، فَقَبَضَهُ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ فِي الْفَصْلَيْنِ يَجُوزُ كُلُّ بَيْعٍ جَرَى فِيهِ، وَإِنْ تَنَاسَخَهُ عَشَرَةُ بِيَعٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا نَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِإِجَازَةِ الْبَائِعِ كَذَلِكَ الْبَيْعُ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَاعَ مِلْكَهُ بَعْدَ مَا قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ حَقُّ الْفَسْخِ، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ بِالْإِجَازَةِ نَفَذَتْ الْبُيُوعُ كُلُّهَا، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُكْرَهِ لَوْ تَنَاسَخَهُ عَشَرَةُ بِيعَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَانَ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يَنْقُضَ الْبُيُوعَ كُلَّهَا، وَيَأْخُذَ عَبْدَهُ، فَإِنْ سُلِّمَ بَيْعٌ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ الْأَوَّلُ، أَوْ الثَّانِي، أَوْ الْآخِرُ جَازَتْ الْبُيُوعُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إسْقَاطٌ مِنْهُ لِحَقِّهِ فِي اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ.

فَأَمَّا الْبَيْعُ مِنْ كُلِّ مُشْتَرٍ، فَكَانَ فِي مِلْكِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ يُوقَفُ نُفُوذُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمُكْرَهِ فِي الْفَسْخِ، وَبِالْإِجَازَةِ سَقَطَ حَقُّهُ، فَتَنْفُذُ الْبُيُوعُ كُلُّهَا كَالرَّاهِنِ إذَا بَاعَ الْمَرْهُونَ، وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ، أَوْ الْآجِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>