لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَبَقَ الْبَائِعُ بِالْعِتْقِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا، فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنَّ عِتْقَهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْإِعْتَاقُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ الْمِلْكَ كَانَ بَاطِلًا، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ فَنَجْعَلُ عِتْقَهُ إيَّاهُ رِضًا بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْفَاسِدَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْخِيَارِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ كَانَ إعْتَاقُهُ إسْقَاطًا مِنْهُ الْخِيَارَ، وَبِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ يَزُولُ الْمَعْنَى الْمُفْسِدُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْهُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْعِتْقِ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا مِنْهُ بِالْحُكْمِ، وَهُوَ الْمِلْكُ، فَيُقَدَّمُ الرِّضَى، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ عَلَى الْعِتْقِ لِتَنْفِيذِ الْعِتْقِ كَمَا قَصَدَهُ، فَإِنَّ مَنْ قَصَدَ تَنْفِيذَ تَصَرُّفٍ فِي مَحَلٍّ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَقْدِيمِ شَرْطٍ فِي الْمَحَلِّ بِعَدَمِ ذَلِكَ لِيَصِحَّ كَمَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَيَقُولُ قَدْ أَعْتَقْت، أَوْ يَقُولُ صَاحِبُ الْعَبْدِ: أَعْتَقْت عَبْدِي عَنْك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ رَضِيت عِتْقَ الْعَبْدِ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ وَوَقَعَ الْعِتْقُ، وَالْمِلْكُ مَعًا بِرِضَاهُ بِذَلِكَ، أَوْ تَقَدَّمَ الْمِلْكُ فِي الْمَحَلِّ عَلَى الْعِتْقِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْعَبْدَ فِي الْإِكْرَاهِ، وَفِي الْخِيَارِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ أَجَازَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فِي الْإِكْرَاهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُ الْبَائِعِ فِيهِ عَلَى حَالٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ زَالَ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا مِنْ جِهَتِهِ، وَجَازَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَجَازَ الْبَيْعَ فِي الْإِكْرَاهِ - الْبَائِعُ جَازَ الْعِتْقُ، وَالْبَيْعُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْإِعْتَاقِ صَارَ مُجِيزًا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَجَازَ الْبَيْعَ - الْمُشْتَرِي جَازَ عِتْقُهُ، وَغَرِمَ الْقِيمَةَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ لِانْعِدَامِ الرِّضَى مِنْ الْبَائِعِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْهُ الثَّمَنَ حَاسَبَهُ بِهِ، وَأَعْطَاهُ، فَضْلًا إنْ كَانَ لَهُ.
وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أُكْرِهَ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْقَبْضِ، وَدَفْعِ الثَّمَنِ، وَلَمْ يُكْرَهْ الْبَائِعُ عَلَى ذَلِكَ، وَتَقَابَضَا، ثُمَّ الْتَقَيَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: قَدْ نَقَضْت الْبَيْعَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي، وَمَا بَعْدَ هَذَا إلَى آخِر الْبَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ بَعْدَ الْقَبْضِ إنَّمَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ مَنْ كَانَ مُكْرَهًا مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا، وَقَبْلَ الْقَبْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ النَّقْضِ بَعْدَ صِحَّةِ النَّقْضِ عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، فَلَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ كَالْمَغْصُوبِ، وَيَنْفُذُ عِتْقُ الْبَائِعِ فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute