الَّذِي وَلِيَ مَا ادَّعَى مِنْ الْعَلَانِيَةِ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ أَصْحَابِ السِّرِّ، وَأُبْطِلَتْ الْعَلَانِيَةُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْعَلَانِيَةِ، أَوْ بِاتِّفَاقِ الْخُصُومِ، وَبِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ثَبَتَ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْعَلَانِيَةِ كَانَ تَحْقِيقًا لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا فِي السِّرِّ لَا، فَسْخًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَذُكِرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا كَانَ مَهْرُ سِرٍّ، وَمَهْرُ عَلَانِيَةٍ أَخَذْنَا بِالْعَلَانِيَةِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَعْلَمَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمَهْرَ هُوَ الَّذِي فِي السِّرِّ، وَبِهَذَا نَأْخُذُ.
وَلَوْ قَالَ فِي السِّرِّ إنَّا نُرِيدُ أَنْ نُظْهِرَ بَيْعًا عَلَانِيَةً، وَهُوَ بَيْعُ تَلْجِئَةٍ وَبَاطِلٌ، ثُمَّ إنْ أَحَدُهُمَا قَالَ عَلَانِيَةً وَصَاحِبُهُ حَاضِرٌ: إنَّا قَدْ قُلْنَا كَذَا، وَكَذَا فِي السِّرِّ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَجْعَلَهُ بَيْعًا صَحِيحًا، وَصَاحِبُهُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ تَبَايَعَا، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُوَاضَعَةَ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً بَيْنَهُمَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِإِبْطَالِهَا، ثُمَّ إقْدَامُ الْآخَرُ عَلَى الْعَقْدِ مَعَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَ مِنْهُ إبْطَالَ تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ يَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، فَإِنَّمَا تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا لِانْعِدَامِ الرِّضَا مِنْ الْآخَرِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَلُزُومِهِ حِينَ لَمْ يَعْلَمْ بِمُنَاقَضَةِ صَاحِبِ الْمُوَاضَعَةِ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْتَقَهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ الْبَائِعُ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ رَاضِيًا بِلُزُومِ الْعَقْدِ حِينَ أَبْطَلَ الْمُوَاضَعَةَ وَالْمُشْتَرِي صَارَ رَاضِيًا بِذَلِكَ حِينَ أَعْتَقَهُ، فَيَتِمُّ الْبَيْعُ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ لَهُمَا، ثُمَّ أَسْقَطَ الْبَائِعُ خِيَارَهُ، وَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَالَهُ لَمْ يَجُزْ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَقْدِ كَانَ خِيَارُهُ بَاقِيًا، وَبَقَاءُ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ يَمْنَعُ نُفُوذَ عِتْقِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَجَازَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ.
وَلَا يَجُوزُ الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِلْكَهُ، فَلَا يَنْفُذُ، وَإِنْ حَدَثَ لَهُ الْمِلْكُ مِنْ بَعْدُ وَإِنْ بَلَغَ الَّذِي لَمْ يَقُلْ مَقَالَةَ صَاحِبِهِ بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، فَرَضِيَ بِالْبَيْعِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ بِنَقْضِ الْمُوَاضَعَةِ صَارَ رَاضِيًا وَالْآخَرُ بِالرِّضَا بَعْدَ مَا بَلَغَهُ مَقَالَةُ صَاحِبِهِ صَارَ رَاضِيًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ حَتَّى نَقَضَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ، فَإِنْ كَانَا لَمْ يَتَقَابَضَا فَنَقْضُهُ جَائِزٌ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ، وَبَعْدَ الْقَبْضِ لِلَّذِي الْمُفْسِدُ مِنْ قِبَلِهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ ذَلِكَ فَهَذَا قِيَاسُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ، وَالْأَمْرُ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ رِضَا الْبَائِعِ قَدْ تَمَّ، وَإِنَّمَا بَقِيَ الْمُفْسِدُ فِي جَانِبِ الْمُشْتَرِي؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، فَالْأَمْرُ إلَى الْبَائِعِ إنْ شَاءَ نَقَضَ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْمَبِيعَ، وَلَيْسَ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْ النَّقْضِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الرِّضَا قَدْ تَمَّ مِنْهُ.
فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي قَالَا فِي السِّرِّ نُرِيدُ أَنْ نُظْهِرَ بَيْعًا هَزْلًا، وَبَاطِلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute