للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا كَانَ يَتَخَلَّصُ بِدُونِ الضَّرْبِ كَانَ هُوَ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الضَّرْبِ طَائِعًا، وَمَنْ قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ طَائِعًا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ قَتْلٍ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَهُ هَذَا أَوْ يَقْتُلَ الْعَبْدَ الَّذِي أَكْرَهَهُ، أَوْ يَقْتُلَ ابْنَهُ، أَوْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدَك هَذَا الْآخَرَ، أَوْ اُقْتُلْ أَبَاك لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَهُ الَّذِي أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا، فَالْمُكْرَهُ مَنْ يَخَافُ التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُنَا إنَّمَا هَدَّدَهُ بِقَتْلِ مَنْ سَمَّاهُ دُونَ نَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مُلْجَأً بِهِ إلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنْ قَتَلَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرَهِ سِوَى الْأَدَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ آلَةً لِلْمُكْرِهِ حِينَ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِلْجَاءُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ: لَتَقْتُلَنَّ ابْنَك، أَوْ لَتَقْتُلَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَهُوَ لَا يَخَافُ مِنْهُ سِوَى ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ، وَإِنْ قَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَنْ يَسْتَهْلِكَ مَالَ هَذَا الرَّجُلِ، أَوْ يَقْتُلُونَ أَبَاهُ، فَاسْتَهْلَكَهُ ضُمِّنَّهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُلْجَأً إلَى هَذَا الْفِعْلِ حَتَّى لَمْ يَصِرْ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ قَتْلَ أَبِيهِ، أَوْ ابْنِهِ يُلْحِقُ الْهَمَّ، وَالْحَزَنَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَبْسِ، وَالْقَيْدِ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْحَبْسِ عَلَى الْقَتْلِ، أَوْ اسْتِهْلَاكِ الْمَالِ اقْتَصَرَ حُكْمُ الْفِعْلِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَهُنَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ فِي ذَلِكَ الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ مَالَ الْغَيْرِ وِقَايَةً لِنَفْسِ ابْنِهِ، وَكَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَ الْغَيْرِ وِقَايَةً لِنَفْسِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَ الْغَيْرِ وِقَايَةً لِنَفْسِ ابْنِهِ، أَوْ لِنَفْسِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُضْطَرَّ الَّذِي يَخَافُ الْهَلَاكَ إذَا عَجَزَ عَنْ أَخْذِ طَعَامِ الْغَيْرِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَقْوَى عَلَى أَخْذِ ذَلِكَ مِنْهُ وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَيَدْفَعَهُ إلَى الْمُضْطَرِّ، فَيَأْكُلَهُ، وَيَكُونُ ضَامِنًا لِمَا يَأْخُذُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنَّهُ يَحِقُّ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ شَرْعًا دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ الْمُضْطَرِّ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِعْلُ الْغَيْرِ بِهِ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَيَسَعُهُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لِلْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ حَتَّى قَتَلَ الرَّجُلُ أَبَاهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ غُرْمُهُ إذَا اسْتَهْلَكَهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَكُونُ لِلْقَوِيِّ فِي فَضْلِ الْمُضْطَرِّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِ الطَّعَامِ، وَدَفْعِهِ إلَى الْمُضْطَرِّ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ حُرْمَةَ أَبِيهِ فِي حَقِّهِ لَا تَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ حُرْمَةِ نَفْسِهِ، وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى يُقْتَلَ، فَفِي حَقِّ أَبِيهِ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَسِيرًا، فَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ اسْتِهْلَاكَهُ ثُمَّ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحِقُّ عَلَيْهِ إحْيَاءُ أَبِيهِ بِالْغُرْمِ الْيَسِيرِ يَعْنِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِي، فَصْلِ الْإِكْرَاهِ إذَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْتِزَامِ غُرْمِهِ وَيَدَعَ أَبَاهُ يُقْتَلُ، وَكَذَلِكَ فِي النَّاسِ التَّحَرُّزُ عَنْ الْتِزَامِ الْقَلِيلِ لِإِحْيَاءِ أَبِيهِ يُعَدُّ مِنْ الْعُقُوقِ، وَالْعُقُوقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>