للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَائِدَةٌ، وَإِطْلَاقُ اللِّسَانِ فِي التَّصَرُّفَاتِ نِعْمَةٌ أَصْلِيَّةٌ، فَبَانَ جَوَازُ إلْحَاقِ ضَرَرٍ يَسِيرٍ بِهِ فِي مَنْعِ نِعْمَةٍ زَائِدَةٍ لِتَوَفُّرِ النَّظَرِ عَلَيْهِ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ بِهِ بِتَفْوِيتِ النِّعْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ، فَأَمَّا الْآيَاتُ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّفِيهِ الصَّغِيرُ، أَوْ الْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِفَّةِ وَذَلِكَ بِانْعِدَامِ الْعَقْلِ وَنُقْصَانِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى {، فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {، وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [النساء: ٥] إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الصِّبْيَانَ أَوْ الْمَجَانِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وِلَايَةُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ، وَمَنْ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ يَقُولُ: إنَّ وِلَايَةَ الْوَلِيِّ تَزُولُ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَهُ، أَوْ الْمُرَادُ نَهْيُ الْأَزْوَاجِ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَى النِّسَاءِ، وَجَعْلُ التَّصَرُّفِ إلَيْهِنَّ كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ قَالَ، وَأَمْوَالَكُمْ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ أَمْوَالَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا النَّهْيِ لَا أَمْوَالَ السُّفَهَاءِ، وَحَدِيثُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ دَلِيلُنَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَطْلَقَ عَنْهُ الْحَجْرُ لِقَوْلِهِ لَا أَصْبِرُ عَنْ الْبَيْعِ وَمَنْ يَجْعَلُ السَّفَهَ مُوجِبًا لِلْحَجْرِ لَا يَقُولُ يُطْلَقُ عَنْهُ الْحَجْرُ بِهَذَا الْقَوْلِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَجْرًا لَازِمًا.

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَلِيلُنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْتَنَعَ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ مَعَ سُؤَالِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي التَّصَرُّفِ غَبْنٌ ذَلِكَ حِينَ رَغِبَ الزُّبَيْرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الشَّرِكَةِ وَلَكِنَّ الْمُبَذِّرَ، وَإِنْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا وَاحِدًا عَلَى وَجْهٍ لَا غَبْنَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ فَلَمَّا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ دَلَّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَلِيلُنَا، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهَا قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا، فَإِنْ كَانَ الْحَجْرُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمَا اسْتَجَازَتْ هَذَا الْحَلِفُ مِنْ نَفْسِهَا مُجَازَةً عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الزُّبَيْرَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْنَى مَالُهَا، فَتُبْتَلَى بِالْفَقْرِ، فَتَصِيرُ عِيَالًا عَلَى غَيْرِهَا بَعْدَ مَا كَانَ يَعُولُهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمَصِيرُ إلَى هَذَا أَوْلَى لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ نِسْبَةِ السَّفَهِ، وَالتَّبْذِيرِ إلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَإِنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ دُفِعَ الْمَالَ إلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: لَمْ يُدْفَعْ الْمَالُ إلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦]، فَهَذِهِ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ، فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ قَبْلَ إينَاسِ الرُّشْدِ مِنْهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ عِنْدَ الْبُلُوغِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا بَلَغَ خَمْسًا، وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ يَسْتَحْكِمْ بِمُطَاوَلَةِ الْمُدَّةِ وَلِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>