للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُنَاكَ تَجِبُ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ، وَهُنَا لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ التَّدْبِيرِ فِي مَالِ مَمْلُوكٍ لَهُ يَسْتَخْدِمُهُ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى مَمْلُوكِهِ دَيْنًا تَعَذَّرَ إيجَابُ النُّقْصَانِ عَلَيْهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ بِمَالٍ وَقَبِلَهُ الْعَبْدُ كَانَ التَّدْبِيرُ صَحِيحًا، وَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى الْغُلَامُ فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَ، فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاتِهِ، فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ، وَإِنَّمَا لَاقَاهُ الْمُعْتِقُ، وَهُوَ مُدَبَّرٌ، فَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا (أَلَا تَرَى) أَنَّ مُصْلِحًا لَوْ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهِ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا لِغُرَمَائِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ؛ لِمَا قُلْنَا.

وَالرَّابِعُ أَنَّ، وَصَايَا الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً، وَاَلَّذِي بَلَغَ مُفْسِدًا إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا فَالْقِيَاسُ فِيهِ كَذَلِكَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ بِمَنْزِلَةِ تَبَرُّعَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنَّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَمَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْفِسْقِ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَاتِ، وَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ سَرَفٌ، وَلَا أَمْرٌ يَسْتَقْبِحُهُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ يَنْفُذُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ حَتَّى لَا يَتْلَفَ مَالُهُ فَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الْأَحْمَرُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي وَصَايَاهُ؛ لِأَنَّ أَوَانَ وُجُوبِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَبَعْدَ مَا وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْمَالِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، فَإِذَا حَصَلَتْ وَصَايَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْهُ لِأَمْرٍ أَضَرَّ بِهِ أَوْ لِاكْتِسَابِ الثَّنَاءِ الْحَسَنِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِنَفْسِهِ وَجَبَ تَنْفِيذُهُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ فِي تَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصَايَا وَالتَّدْبِيرُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَيُعْتَقُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِهَذَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الْمُدَبَّرِ السِّعَايَةُ وَلَكِنَّهُ، أَوْجَبَ السِّعَايَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى إبْطَالِ الْمَالِيَّةِ، فَكَلَامُ أَبِي يُوسُفَ يَتَّضِحُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتَلَفُوا فِي، وَصِيَّةِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُجَوِّزُونَ مِنْ وَصَايَاهُ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ الْآثَارُ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَازَ وَصِيَّةَ غُلَامٍ يَفَاعٍ، وَفِي رِوَايَةِ يَافِعٍ، وَهُوَ الْمُرَاهِقُ، وَأَنَّ شُرَيْحًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ عَنْ وَصِيَّةِ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ، فَقَالَ إنْ أَصَابَ الْوَصِيَّةَ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَحَالُ هَذَا الَّذِي بَلَغَ وَصَارَ مُخَاطَبًا بِالْأَحْكَامِ أَقْوَى مِنْ حَالِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، فَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي وَصِيَّةِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ يَكُونُ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ فِي وَصِيَّةِ السَّفِيهِ أَنَّهُ إذَا وَافَقَ الْحَقَّ وَجَبَ تَنْفِيذُهُ، فَهَذَا وَجْهٌ آخَرَ لِلِاسْتِحْسَانِ.

، ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ السَّفَهَ لَا يُجْعَلُ كَالْهَزْلِ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا كَالصِّبَا، وَلَا كَالْمَرَضِ، وَلَكِنَّ الْحَجْرَ بِهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ تَوَفُّرُ النَّظَرِ عَلَيْهِ، وَبَحْثُهُ يُلْحَقُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأُصُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>