لَهُ لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ حَقِّ الْفُقَرَاءِ بِمَا صَنَعَ حِينَ أَخْرَجَ الْمَالَ مِنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَمُرَادُهُ مَا إذَا وَهَبَهَا لِغَنِيٍّ فَأَمَّا إذَا وَهَبَهَا لِفَقِيرٍ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا شَيْئًا لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ الْفَقِيرِ صَدَقَةٌ لَا رُجُوعَ فِيهَا وَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ بَعْدَ كَمَالِ الْحَوْلِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِلزَّكَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ فَلَوْ رَجَعَ فِيهَا الْوَاهِبُ الْآخَرُ فَضَاعَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةٌ لِأَنَّ بِالرُّجُوعِ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ حَقِّ الْفُقَرَاءِ فَهَلَاكُهُ فِي يَدِهِ بَعْدَ الرُّجُوعِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْهِبَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَضَعْ وَلَكِنْ رَجَعَ فِيهَا الْأَوَّلُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْوَاهِبِ الثَّانِي، وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الثَّانِي بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ فَالدَّرَاهِمُ تَتَعَيَّنُ فِي الْهِبَةِ وَالرُّجُوعِ فِيهَا، وَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حِينَ تَمَّ الْحَوْلُ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَجَعَ فِيهَا بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَى قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ إذَا أَدَّى وَلَكِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ
(قَالَ) وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ثُمَّ بَاعَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ حَوَّلَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ يَعْدِلُهُ فَلَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ فَمَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّمَا عَادَ الْعَبْدُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ وَهَلَاكُهُ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَا عَادَ كَهَلَاكِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْتَقِضُ مِنْ الْأَصْلِ بِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَمَاتَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَالرَّدُّ بِحُكْمِهِ يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ
(قَالَ) رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ فَحَالَ الْحَوْلُ، وَهُوَ عِنْدَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهِ امْرَأَةً وَدَفَعَهُ إلَيْهَا ثُمَّ فَجَرَ بِهَا ابْنُ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهَا رَدُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْزَمُهَا رَدُّ الصَّدَاقِ فَإِنْ رَدَّتْهُ فَمَاتَ عِنْدَ الزَّوْجِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي حُكْمِ الْفَسْخِ فَإِنَّمَا عَادَ الْعَبْدُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الزَّوْجِ فَيَكُونُ هَلَاكُهُ بَعْدَ الِاسْتِرْدَادِ كَهَلَاكِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمِلْكِ الْجَدِيدِ مِنْ سَبَبٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا سَبَبٌ جَدِيدٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ فِي الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَوْدِهِ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ فَلَوْ مَاتَ فِي يَدِهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ قِيمَتَهُ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ الْعَبْدِ بَعْدَ تَقَرُّرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute