للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْكِتَابَةِ النَّظَرُ وَأَمَّا تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ بَعْدَ الْإِذْنِ فَمُقَيَّدٌ بِالتِّجَارَةِ، وَالْكِتَابَةِ لَيْسَتْ بِتِجَارَةٍ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكَانِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْعَبْدِ فَلَا يَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ وَلَا يَمْلِكُهُ أَبُوهُ وَوَصِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَظَرٌ لِلصَّبِيِّ بَلْ فِيهِ تَعْيِيبُ الْعَبْدِ وَإِلْزَامُ الْمَهْرِ، وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لِلصَّبِيِّ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَبُرَ الصَّبِيُّ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مَا لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ وَلَا مُجِيزَ لِهَذَا التَّصَرُّفِ حَالَ وُقُوعِهِ فَتَعَيَّنَ فِيهِ جِهَةُ الْبُطْلَانِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا مِنْ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ بِبَدَلٍ فِي ذِمَّةِ مُفْلِسِهِ وَلَوْ أَجَازَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ الْكِبَرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ الْأَجْنَبِيُّ أُمَّتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَجَازَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ لِهَذَا التَّصَرُّفِ مُجِيزًا حَالَ وُقُوعِهِ وَهُوَ وَلِيُّهُ، وَالْوَلِيُّ فِي الْإِجَازَةِ نَاظِرٌ لَهُ فَإِذَا صَارَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهِ نَفَّذَ بِإِجَازَتِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ، وَالْوَصِيِّ أَنْ يَفْعَلَاهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِذَا فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ تَنْفُذُ بِالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ مِمَّنْ قَامَ رَأْيُهُ مَقَامَ رَأْيِ الصَّبِيِّ فَيَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْآذِنِ أَوْ مِنْ الصَّبِيِّ بَعْدَ مَا كَبِرَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا النَّظَرِ وَلَوْ زَوَّجَ هَذَا الصَّبِيُّ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ بِيعَتْ فَأُعْتِقَتْ لَحِقَ الْعَبْدَ نَفَقَتُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مَعْنَى الضَّرَرِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى الصَّبِيِّ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ وَوِلَايَةُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ لَا تَتَعَيَّنُ بِلُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ.

وَلَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ فَخَلَعَهَا أَبُوهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ أَوْ طَلَّقَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَجَازَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لِهَذَا التَّصَرُّفِ عِنْدَ وُقُوعِهِ فَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ مَحْضُ ضَرَرٍ عَاجِلٍ فِي حَقِّهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ عَقْلُهُ وَلَا وِلَايَةُ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ لَا لِلْإِضْرَارِ بِهِ وَإِذَا قَالَ حِينَ كَبِرَ قَدْ أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَ عَلَيْهَا فُلَانٌ أَوْ قَدْ أَوْقَعْتُ عَلَى الْعَبْدِ ذَلِكَ الْعِتْقِ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إيقَاعُ مُسْتَقْبَلٍ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ ابْتِدَاءً بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَكُونُ إضَافَتُهُ إلَى أَوْقَعَ، فُلَانٌ لِتَعْرِيفِ الْعَدَدِ وَالصِّفَةِ لَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْإِيقَاعِ مِنْ فُلَانٍ لَكِنَّهُ مِنْ الْمَوْقِعِ فِي الْحَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>