تَتَحَقَّقُ الْبَلْوَى فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ فَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا خُصُوصًا فِي الصَّحَارِي بِخِلَافِ سِبَاعِ الْوَحْشِ.، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَا يَقَعُ عَلَى الْجِيَفِ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَسُؤْرُهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ مِنْقَارَهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ عَادَةً.
وَأَمَّا سُؤْرُ السِّنَّوْرُ فَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِغَيْرِهِ أَحَبَّ إلَيَّ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ هُوَ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْغِي الْإِنَاءَ لِهِرَّةٍ حَتَّى تَشْرَبَ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِالْبَاقِي».
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْهِرَّةِ مَرَّةً»، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْكَرَاهَةِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْهِرَّةُ سَبُعٌ»، وَهِيَ مِنْ السِّبَاعِ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ فَأَثْبَتْنَا حُكْمَ الْكَرَاهَةِ عَمَلًا بِهِمَا جَمِيعًا، وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: كَرَاهَةُ سُؤْرِهِ لِحُرْمَةِ لَحْمِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إلَى التَّحْرِيمِ أَقْرَبُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرَاهَةُ سُؤْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجِيَفَ فَلَا يَخْلُو فَمُهُ عَنْ النَّجَاسَةِ عَادَةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالْأَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْأَثَرِ.
قَالَ (وَإِنْ مَاتَ فِي الْإِنَاءِ ذُبَابٌ، أَوْ عَقْرَبٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ لَمْ يُفْسِدْهُ عِنْدَنَا)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُفْسِدُهُ إلَّا مَا خُلِقَ مِنْهُ كَدُودِ الْخَلِّ يَمُوتُ فِيهِ، وَسُوسِ الثِّمَارِ يَمُوتُ فِي الثِّمَارِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى نَجَاسَةِ كُلِّ مَيْتَةٍ، وَإِذَا تَنَجَّسَ بِالْمَوْتِ تَنَجَّسَ مَا مَاتَ فِيهِ إلَّا أَنَّ فِيمَا خُلِقَ مِنْهُ ضَرُورَةً، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزَ عَنْهُ فَصَارَ عَفْوًا لِهَذَا.
(وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ، ثُمَّ اُمْقُلُوهُ، ثُمَّ اُنْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ سُمًّا، وَفِي الْآخِرِ شِفَاءً»، وَإِنَّهُ لَيُقَدِّمُ السُّمَّ عَلَى الشِّفَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الذُّبَابَ إذَا مُقِلَ مِرَارًا فِي الطَّعَامِ الْحَارِّ يَمُوتُ فَلَوْ كَانَ مُفْسِدًا لَمَا أَمَرَ بِمَقْلِهِ، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ إذَا مَاتَ فِي الْإِنَاءِ فَهُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ، وَشُرْبُهُ، وَالْوُضُوءُ بِهِ»، وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ إذَا مَاتَ فَإِنَّمَا يَتَنَجَّسُ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ حَتَّى لَوْ ذُكِّيَ فَسَالَ الدَّمُ مِنْهُ كَانَ طَاهِرًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: ١٤٥] فَمَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ لَا يَتَنَاوَلُهُ نَصُّ التَّحْرِيمِ فَلَا يَنْجُسُ مَا مَاتَ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute