الْحَجْرُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَكِنَّا نَشْتَرِطُ عِلْمَ أَهْلِ السُّوقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْغُرُورِ عَنْهُمْ فَإِنْ الْإِذْنُ عَمَّ وَانْتَشَرَ فِيهِمْ فَهُمْ يُعَامِلُونَهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ صَحَّ الْحَجْرُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ تَضَرَّرُوا بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنْ اكْتَسَبَ رِبْحًا أَخَذَهُ الْمَوْلَى، وَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ إنْ كَانَ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَتَتَأَخَّرُ حُقُوقُهُمْ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا نَدْرِي أَيُعْتَقُ أَمْ لَا وَمَتَى يُعْتَقُ، وَالْمَوْلَى بِتَعْمِيمِ الْإِذْنِ يَصِيرُ كَالْفَارِّ لَهُمْ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ الْحَجْرُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَهْلُ سُوقِهِ، ثُمَّ هُوَ بِالْحَجْرِ يَلْزَمُهُمْ التَّحَرُّزُ عَنْ مُعَامَلَتِهِ، وَالْخِطَابُ الْمُلْزِمُ لِلْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ كَخِطَابِ الشَّرْعِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا يُصَلُّونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَجُوِّزَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ الِائْتِمَارِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ إلَّا أَنَّ فِي الْوَكَالَةِ شَرَطْنَا عِلْمَ الْوَكِيلِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ أَهْلِ السُّوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَزْلِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُمْ مَعَهُ نَافِذٌ سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ الْحَجْرُ رَفَعَ الْإِذْنَ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ الشَّيْءَ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ فَإِذَا كَانَ الْإِذْنُ مُنْتَشِرًا لَا يَرْفَعُهُ إلَّا حَجْرٌ مُنْتَشِرٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ إعْلَامَ جَمِيعِ النَّاسِ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَوْلَى، وَالتَّكْلِيفُ ثَابِتٌ بِقَدْرِ الْوُسْعِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ إشْهَارُ الْحَجْرِ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِ سُوقِهِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُعَامَلَاتِهِ مَعَ أَهْلِ سُوقِهِ وَمَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ يَصِلُ خَبَرُهُ إلَى غَيْرِهِ عَنْ قَرِيبٍ.
فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدُ أَوْ اشْتَرَى مِمَّنْ قَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحَجْرِ التَّشْهِيرُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَالْإِذْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَوْ ثَبَتَ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ كَانَ حَجْرًا خَاصًّا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ مِنْ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَنَهَاهُ عَنْ آخَرِينَ فَبَايَعَ الَّذِينَ نَهَاهُ عَنْهُمْ كَانَ جَائِزًا، وَهَذَا بِخِلَافِ خِطَابِ الشَّرْعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ ثَبَتَ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَإِذَا أَتَى الْمَوْلَى بِعَبْدِهِ إلَى أَهْلِ سُوقِهِ فَقَالَ: قَدْ حَجَرْتُ عَلَى هَذَا فَلَا تُبَايِعُوهُ كَانَ هَذَا حَجْرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أُتِيَ بِمَا فِي وُسْعِهِ وَهُوَ تَشْهِيرُ الْحَجْرِ فَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ عِلْمِ جَمِيعِ أَهْلِ السُّوقِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ بِالشَّرَائِعِ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى زَمَانٌ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِإِشْهَارِ حُكْمِ الْخِطَابِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْحَرْبِيُّ إذَا - أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مَا لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ غَيْرُ مُنْتَشِرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ الْمَوْلَى قَدْ أَنْذَرَهُمْ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي أَهْلِ سُوقِهِ، وَقَدْ أَعْذَرَ مِنْ أَنْذَرَ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute