بِالْوَكَالَةِ وَبِالْإِذْنِ لِلْعَبْدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ ضَرْبُ حَرَجٍ فَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِ عَدْلٍ عِنْدَ كُلِّ مُعَامَلَةٍ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَاتِ فَلِذَلِكَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِيهِ وَمَتَى كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا فَالْمُخْبِرُ بِهِ كَأَنَّهُ رَسُولُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى حِينَ حَجَرَ عَلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ الْحَجْرَ دَلَالَةً، وَالدَّلَالَةُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالصَّرِيحِ خُصُوصًا فِيمَا بُنِيَ عَلَى التَّوَسُّعِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ صِفَةُ الْعَدَالَةِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَذَلِكَ مَنْعٌ مِنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْحَجْرَ، وَالْعَزْلَ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ لَكَانَ ذَلِكَ حُكْمًا يُخَالِفُ النَّصَّ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ الْمُرْسِلِ فَعِبَارَةُ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ فَأَمَّا الْفُضُولِيُّ فَلَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا أَنَابَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فَيَبْقَى حُكْمَ الْخَبَرِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ فَاسِقٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ التَّوَقُّفَ فِي خَبَرِهِ بِالنَّصِّ، ثُمَّ هَذَا خَبَرٌ مُلْزِمٌ؛ لِأَنَّهُ يُلْزِمَ الْعَبْدَ الْكَفُّ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَالشَّفِيعُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةَ، وَالْبِكْرُ حُكْمُ النِّكَاحِ، وَالْمَوْلَى حُكْمُ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ وَخَبَرُ الْفَاسِقِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا كَخَبَرِهِ فِي الدِّيَانَاتُ بِخِلَافِ إخْبَارِهِ بِالْوَكَالَةِ، وَالْإِذْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُلْزِمٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَصَرَّفَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَتَصَرَّفْ وَتَقْرِيرُ هَذِهِ أَنَّ لِهَذَا الْخَبَرِ شَبَهَيْنِ شَبَهُ رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ مِنْ حَيْثُ إلْزَامُ الْعَمَلِ بِهِ وَشَبَهُ الْإِخْبَارِ بِالْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَامَلَةٌ وَمَنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفَّرُ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا فَلِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ شَرَطْنَا فِيهِ الْعَدَالَةَ وَلِشَبَهِهِ بِالْمُعَامَلَاتِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَاسِقَانِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقَيْنِ كَخَبَرِ فَاسِقٍ وَاحِدٍ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا، وَأَنَّهُ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ، وَمَنْ اخْتَارَ هَذَا الطَّرِيقَ قَالَ مَعْنَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ " عَدْلٌ " يَصْلُحُ نَعْتًا لِلْوَاحِدِ، وَالْمُثَنَّى، يُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ، وَرِجَالٌ عَدْلٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَاسِقَانِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ الْوَاحِدَ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الشَّهَادَةِ الْعَدَدَ، وَالْعَدَالَةَ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِهَا وَتَأْثِيرُ الْعَدَدِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْعَدَالَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَنْفُذُ وَبِشَهَادَةِ الْفَاسِقَيْنِ يَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ، ثُمَّ إذَا وُجِدَتْ الْعَدَالَةُ هَهُنَا بِدُونِ الْعَدَدِ يَثْبُتُ الْحَجْرُ بِالْخَبَرِ فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْعَدَدُ دُونَ الْعَدَالَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ تَزْدَادُ بِالْعَدَدِ كَمَا تَزْدَادُ بِالْعَدَالَةِ.
وَيَخْتَلِفُونَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الذِّمِّيِّ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ هَلْ يَلْزَمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute