للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ كُلُّهُ لَهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ حِين رَآهُ يَتَصَرَّفُ فَيُجْعَلُ سُكُوتُهُ عَنْ الْمَنْعِ دَلِيلَ الرِّضَا وَلَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ إظْهَارِ الْكَرَاهَةِ قَبْلَ هَذَا فَقَدْ يَرْضَى الْمَرْءُ بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ بَعْدَ مَا كَانَ يَكْرَهُهُ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَإِنَّمَا فِي وُسْعِهِ إظْهَارُ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَنْفَسِخُ ذَلِكَ بِسُكُوتِهِ عَنْ النَّهْيِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ يَتَصَرَّفُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بَايَعَهُ بَعْدَ مَقَالَتِهِ جُعِلَ هَذَا نَاسِخًا لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ إظْهَارِ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّ مُبَايَعَتَهُ إيَّاهُ كَالتَّصْرِيحِ بِالرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ فَهُوَ وَقَوْلُهُ أَذِنْتُ لَكَ فِي التِّجَارَةِ سَوَاءٌ.

وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ لِصَاحِبِهِ ائْذَنْ لِنَصِيبِكَ مِنْهُ فِي التِّجَارَةِ فَفَعَلَ فَالْعَبْدُ كُلُّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَصَرُّفِهِ مِنْ الْآذِنِ بِالْإِذْنِ، وَمِنْ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ ائْذَنْ لِنَصِيبِكَ فَهَذَا اللَّفْظُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا بِتَصَرُّفِهِ مِنْ سُكُوتِهِ عَنْ النَّهْيِ وَإِذَا جُعِلَ سُكُوتُهُ عَنْ النَّهْيِ دَلِيلَ الرِّضَا فَأَمْرُهُ بِالتَّسْلِيطِ أَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلَ الرِّضَا.

وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَكَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ فَهَذَا وَأَذِنَ مِنْهُ لِنَصِيبِهِ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ بِالْكِتَابَةِ أَقْوَى مِنْ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ بِالْإِذْنِ، وَالْأَقْوَى يَنْتَظِمُ الْأَضْعَفَ، ثُمَّ هُوَ رِضًا مِنْهُ بِتَصَرُّفِهِ حِينَ رَغِبَهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ وَأَدَائِهِ لِيُعْتِقَ نَصِيبَهُ وَلِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَبِهِ فَارَقَ الْإِذْنَ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِذْنِ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي ثَانِي الْحَالِ فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ، ثُمَّ أَبْطَلَ الْآخَرُ الْكِتَابَةَ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِ الَّذِي كَاتَبَ خَاصَّةً لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِنَصِيبِهِ، وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ حَتَّى رَآهُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ إجَازَةً لِلْكِتَابَةِ وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهَا وَكَانَ هَذَا إذْنًا مِنْهُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ الرِّضَا بِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ يَثْبُتُ، وَالسُّكُوتُ عَنْ النَّهْيِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَأَمَّا فِي تَنْفِيذِ الْكِتَابَةِ فَالْحَاجَةُ إلَى التَّوْكِيلِ لِتَكُونَ مُبَاشَرَةَ الشَّرِيكِ بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَتِهِ، وَالتَّوْكِيلُ بِالسُّكُوتِ لَا يُثْبِتُ وَلِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ، وَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الرِّضَا فِيهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ إذَا جُعِلَ السُّكُوتَ إذْنًا، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ إجَازَةً لِلْكِتَابَةِ، وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَإِنَّ رَدَّ الْمُكَاتَبَةِ وَقَدْ لَحِقَ الْعَبْدُ دَيْنُ بَيْعٍ كُلِّهِ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مَوْلَاهُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمَا بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ.

وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ فَكَاتَبَ نِصْفَهُ كَانَ هَذَا إذْنًا لِجَمِيعِهِ فِي التِّجَارَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَصَرُّفِهِ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ الْكُلُّ مُكَاتَبًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا وَمَا اكْتَسَبَ مِنْ مَالٍ فَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ النِّصْفِ الَّذِي لَمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>