للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّيْنِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ النَّاسَ عَنْ الدَّفْعِ بِمَوْتِهِ فَتَصِيرُ الْجِنَايَةُ مَالًا وَالْكَسْبُ فِي يَدِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ بِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَقَدْ كَانَ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَكَانَ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ نَوْعَ قُوَّةٍ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا حَقُّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ فَلِسَبْقِ السَّبَبِ وَأَمَّا حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْكَسْبِ كَمَا أَقَرَّ بِهِ فَلِهَذَا الْحَقِّ سَبْقٌ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ بِالْكَسْبِ وَلِلْآخَرِ سَبْقٌ مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقُوَّةِ وَيَتَحَاصَّانِ فِي الْكَسْبِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَخَذَ مِنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ كَانَ أَخْذُهُ غَصْبًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّهِ فَكَوْنُهُ فِي يَدِهِ وَكَوْنُهُ فِي يَدِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّ الْمُكَاتَبَ أَدَّى الْكِتَابَةَ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَالِ وَبَطَلَتْ الْجِنَايَةُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَوْ صَارَتْ مَالًا إنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ لِانْعِدَامِ الْحُجَّةِ فَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُقَرِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَلَا بِاعْتِبَارِ كَسْبِهِ وَالْجِنَايَةُ إنَّمَا تَصِيرُ مَالًا عَلَى أَنْ تَكُونَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَقْضِي مِنْ كَسْبِهِ فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِذَلِكَ الْمَالِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ حَقِّهِ شَيْءٌ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ.

وَلَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ أَوْ لَا بِدَيْنٍ، ثُمَّ بِجِنَايَةٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ بُدِئَ مِنْهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ أَسْبَقُ سَبَبًا وَتَعَلُّقًا بِالْكَسْبِ وَاعْتِبَارُ إقْرَارِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْكَسْبِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ إذَا فَرَغَ الْكَسْبُ عَنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَأَمَّا مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ فَحَقُّ الْغَرِيمِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُكَاتَبِ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِيهِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ الَّذِي كَانَ لِصَاحِبِ الْجِنَايَةِ بِمَوْتِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ صَارَتْ مَالًا وَهَذَا الْفَاضِلُ مِنْ الْكَسْبِ حَقُّ الْمُكَاتَبِ فَأَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْجِنَايَةِ لِحُكْمِ إقْرَارِهِ، وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِجِنَايَةٍ، ثُمَّ بِدَيْنٍ وَهُوَ يَجْحَدُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ فَإِنَّهُ يُبْدَأُ مِنْهُ بِالدَّيْنِ أَوَّلًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ لِلسَّبْقِ وَالتَّعَلُّقِ بِالْكَسْبِ كَمَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ تَعَلُّقًا بِالْكَسْبِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ تَحَاصَّ فِيهِ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ لَمَّا اسْتَوْفَى حَقَّهُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَأَنَّمَا يَفِي هُوَ جَمِيعَ الْكَسْبِ وَقَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ وَفِي هَذَا هُمَا يَتَحَاصَّانِ لِقُوَّةٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ.

وَلَوْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّ الْمُكَاتَبَ أَدَّى فَعَتَقَ بُدِئَ بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ فَمَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنَيْنِ فَهُوَ لِلْمُكَاتَبِ لَمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا وَجْه لِإِيجَابِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ بَعْد الْعِتْقِ فَكَأَنَّهُ مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ إلَّا بِدَيْنٍ، ثُمَّ بِدَيْنٍ فَيَبْدَأُ

<<  <  ج: ص:  >  >>