لِرَجُلَيْنِ فِي كَلَامٍ مُتَّصِلٍ تَحَاصَّا أَيْضًا فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ وَأَنَّ مُوجَبَ أَوَّلِ الْكَلَامِ اخْتِصَاصُ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْكَسْبِ وَيَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ لِلثَّانِي فَيَصِيرُ مُوجَبُهُ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْكَسْبِ وَمَتَى كَانَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ تَوَقَّفَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ قَطَعَ كَلَامَهُ بَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ كَانَ لِلثَّانِي سَوَاءٌ مَاتَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ أَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبَتَهُ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ وَكَمَا أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ بِالدَّيْنِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ بِالْكَسْبِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ لِلثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْوَارِثِ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ، ثُمَّ بِدَيْنٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِمَا فِي يَدِهِ بِالدَّيْنِ الْأَوَّلِ لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَإِذَا أَذِنَ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَادَّانَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ يَجْحَدُ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهُ فَالْغَرِيمُ الَّذِي ادَّانَ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ مَعَ الْقَوِيِّ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَاهُ فَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْعَبْدِ بِإِتْلَافِهِ الْمَالِيَّةَ الْمُسْتَحَقَّةَ لَهُ بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ كَانَ ثَابِتًا فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَبِالْعِتْقِ ازْدَادَ قُوَّةً وَوَكَادَةً فَإِنْ ضَمِنَهُ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ أَمَّا عَلَى الْمَوْلَى فَلِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ إلَّا مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ وَقَدْ ضَمِنَ جَمِيعَ بَدَلِهَا مَرَّةً وَأَمَّا عَلَى الْعَبْدِ فَلِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَسْعَى إلَّا فِي مِقْدَارِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ وَهُنَا لَا فَضْلَ فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ عَلَى دَيْنِ الْعَبْدِ فَيَبْطُلُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ مَحَلِّهِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْغَرِيمُ أَخْذَ دَيْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْلَى بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مُتْلِفًا مَالِيَّةَ الرَّقَبَةِ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَغْرَمْ لِصَاحِبِ دَيْنِ الْعَبْدِ شَيْئًا حِينَ اخْتَارَ اتِّبَاعَ الْعَبْدِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ سِوَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مُصَدَّقٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَدَّقًا عَلَى عَبْدِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَقَرَّ عَلَى الْعَبْدِ بِدَيْنٍ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَجَحَدَهُ الْعَبْدُ، ثُمَّ صَارَ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ثَمَنِهِ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ صَادَفَ مَحَلًّا فَارِغًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ حِينَ أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى فَيَثْبُتُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَوْلَى فِي حَالِ رِقِّهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لِبَقَائِهِ مَأْذُونًا بَعْد إقْرَارِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَإِذَا بِيعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute