للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُوصَى بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ فَلَا يَكُونُ نِصَابَ الزَّكَاةِ فِي حَقِّهِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمُوصَى بِهِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمِيرَاثِ فَإِنْ قَبِلَهَا ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ إنَّمَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَلَا يَتِمُّ مِلْكُهُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْمِيرَاثِ، وَفِيهَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمِيرَاثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ الرِّوَايَةُ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي حَتَّى لَا يُرَدَّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يَصِيرَ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوصِي فَأَمَّا مِلْكُ الْوَارِثِ يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الْمُوَرِّثِ فَلِهَذَا اعْتَبَرَ هُنَاكَ مِلْكَ الْمُوَرِّثِ وَجَعَلَهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَاعْتَبَرَ هَاهُنَا مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَجْعَلْهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ مَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ

(قَالَ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَاتَمُ فِضَّةٍ فِي أُصْبُعِهِ فِيهِ دِرْهَمٌ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ غَيْرَ شَهْرٍ ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ، وَبَقِيَ الْخَاتَمُ ثُمَّ اسْتَفَادَ أَلْفًا، وَتَمَّ الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَالَ؛ لِأَنَّ فِضَّةَ الْخَاتَمِ كَانَتْ مَضْمُومَةً إلَى الْأَلْفِ فِي حُكْمِ النِّصَابِ فَيَبْقَى الْحَوْلُ بِبَقَائِهَا، وَإِنْ ضَاعَ الْأَلْفُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ بَقَاءَ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ يَكْفِي لِبَقَاءِ الْحَوْلِ فَإِنَّمَا اسْتَفَادَ الْأَلْفَ، وَالْحَوْلُ بَاقٍ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ لِوُجُودِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَاتَمٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْحَوْلَ عَلَى الْمُسْتَفَادِ مُنْذُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ جَمِيعُ النِّصَابِ حِينَ ضَاعَ الْمَالُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَبْقَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ مُنْعَقِدًا؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ يَسْتَدْعِي جُزْءًا مِنْ النِّصَابِ فَإِنْ وَجَدَ دِرْهَمًا مِنْ الدَّرَاهِمِ الْأُوَلِ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ ضَمَّهُ إلَى مَا عِنْدَهُ فَيُزَكِّي الْكُلَّ وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَ الْبَقِيَّةَ بَعْدَمَا زَكَّى فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ كُلَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَاتَمٌ؛ لِأَنَّ بِالضَّيَاعِ لَا يَنْعَدِمُ أَصْلُ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ يَدُهُ وَتَمَكُّنُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَإِذَا ارْتَفَعَ ذَلِكَ قَبْلَ كَمَالِ الْحَوْلِ بِأَنْ وَجَدَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ صَارَ الضَّيَاعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى وَجَدَ الْأَلْفَ الْأُخْرَى، وَتَمَّ الْحَوْلُ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ عَنْ الْكُلِّ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا وَجَدَ مَا ضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>