للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّيْنَ الْمُحِيطَ بِالتَّرِكَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُحِيطُ بِالْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا بِاعْتِبَارِ انْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْمِلْكِ فِي الْمُكْتَسَبِ فَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ كَالرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْمَوْتُ يُنَافِي ذَلِكَ كَالرِّقِّ بَلْ أَظْهَرُ فَالرِّقُّ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الْمَالِ دُونَ النِّكَاحِ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِمَا جَمِيعًا، ثُمَّ لِقِيَامِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ يُجْعَلُ كَالْمَالِكِ حُكْمًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَارِثُ كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لِقِيَامِ حَاجَتِهِ يُجْعَلُ كَالْمَالِكِ حُكْمًا وَهَذِهِ الْحَاجَةُ لَيْسَتْ كَالْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَإِنَّ الرَّقِيقَ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَلَيْسَ الْكَسْبُ نَظِيرَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ بَلْ كَانَ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ لَا بِالِاكْتِسَابِ مِنْ الْعَبْدِ فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الرَّقَبَةِ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُكَاتَبِ فَالْمَوْلَى مَالِكٌ رَقَبَتَهُ حَتَّى يَنْفُذَ مِنْهُ الْعِتْقُ فِي - رَقَبَتِهِ وَتُؤَدَّى بِهِ كَفَّارَتُهُ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِلْكَهُ فِي الرَّقَبَةِ مُطْلَقٌ وَمَعَ ذَلِكَ لِقِيَامِ حَاجَتِهِ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ.

وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِاسْتِهْلَاكِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ أَخَذَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَبِإِقْرَارِهِ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَكِنْ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ فِي حَقِّهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ ضَمِنَ عَنْهُ رَجُلٌ هَذَا الدَّيْنَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ أُخِذَ بِهِ الْكَفِيلُ حَالًا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي حَقِّهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ فَإِذَا ضَمِنَهُ عَنْهُ رَجُلٌ فَقَدْ ضَمِنَ دَيْنًا وَاجِبًا فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى مُفْلِسٍ إذَا ضَمِنَهُ إنْسَانٌ أُخِذَ بِهِ فِي الْحَالِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا اشْتَرَاهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ بَطَلَ دَيْنُهُ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ وَمِمَّا ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا عَلَى الْعَبْدِ تَحَوَّلَ بِالْبَيْعِ إلَى الثَّمَنِ سَوَاءٌ بِيعَ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَهَذَا الدَّيْنُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْرُوفِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَيُحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ مِنْ الثَّمَنِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ فَبِقَدْرِ ذَلِكَ يَكُون الْكَفِيلُ مُطَالِبًا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ سَقَطَ عَنْ الْكَفِيلِ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْأَصِيلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ وَلَكِنَّ صَاحِبَهُ وَهَبَهُ مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ بَطَلَ دَيْنُهُ عَنْ الْعَبْدِ وَعَنْ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هَهُنَا سَقَطَ عَنْ الْأَصِيلِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَمْ يُخَلِّفْ الْعَبْدُ مَحَلًّا آخَرَ يُمْكِنُ تَحْوِيلُ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَأَنْ تُوجِبَ بَرَاءَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>