قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَالْفَسْخُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَلَفْظُ الْهِبَةِ فِيهِ تَوَسُّعٌ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْفَسْخِ إذَا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يُفْرَدُ بِالْفَسْخِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَهَبَ الْجَارِيَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْعَبْدُ فَقَبِلَهَا الْعَبْدُ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ، وَإِنْ وَهَبَهَا لِلْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهَذَا نَقْضٌ صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِطَرِيقِ النَّقْضِ كَمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى وَقَبَضَهَا فَهَذَا لَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ فَلَا يَمْلِكُ نَقْضَ بَيْعِهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْ الْمَوْلَى وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَصِحُّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَصِحُّ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى الْقَبْضِ، وَالْقَابِضُ نَائِبٌ عَنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ إنَّمَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَلَوْ تَقَابَضَا ثُمَّ وَهَبَ الْعَبْدُ الْعَرَضَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَبِلَهُ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا تَكُونُ فَسْخًا فَإِنَّ كَوْنَهُ فَسْخًا بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَانَ هَذَا إبْرَاءً مُبْتَدَأً فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَأْذُونِ، وَلَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ لِلْمَأْذُونِ أَوْ لِمَوْلَاهُ جَازَتْ الْهِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ الْمُبْتَدَأِ فَإِنْ وَجَدَ الْمَأْذُونُ بِالْعَرَضِ عَيْبًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ رَدَّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَالْجَارِيَةُ الَّتِي هِيَ عِوَضُ الْعَرَضِ قَدْ عَادَتْ بِعَيْنِهَا إلَى مَا كَانَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ خَالِصُ حَقِّ الْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقَدْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ لِلْعَبْدِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَوْ رَدَّ الْعَرَضَ رَدَّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَهَبَهَا لِمَوْلَاهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْعَرَضَ بِالْعَيْبِ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَرُدَّ الْعَرَضَ بِالْعَيْبِ وَعِنْدَ الرَّدِّ يَجِبُ عَلَى بَائِعِ الْعَرَضِ رَدُّ الْجَارِيَةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَيْهِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا.
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِعَرَضٍ بِعَيْنِهِ وَتَقَابَضَا فَحَدَثَ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ أَوْ مِنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ فِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا أَوْ وُطِئَتْ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ، ثُمَّ وَهَبَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute