الْعَبْدُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِأَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي زَمَانًا، ثُمَّ يَقْبَلُ الْعَقْدَ فِيهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ، فَالْمُشْتَرِي هُنَاكَ يَرْغَبُ فِيهَا بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ وَطِئَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ الْقَاطِعُ أَجْنَبِيًّا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ أَوْ الْأَرْشُ ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ وَالْعَبْدُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَحِيحَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْإِقَالَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ فَسْخًا كَانَ بَاطِلًا وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْإِقَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا بَيْعًا فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ فَسْخًا، وَذَلِكَ فِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْإِقَالَةُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ تَكُونُ فَسْخًا، فَأَمَّا بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ تَكُونُ بَيْعًا مُسْتَقْبَلًا وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ إنَّمَا يَكُونُ فَسْخًا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلْفَسْخِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لِذَلِكَ كَانَ بَيْعًا مُبْتَدَأً وَوُجُوهُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَالْآنَ نَقُولُ الْعُقْرُ وَالْأَرْشُ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَهِيَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْإِقَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُسْتَقْبَلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ فَجَوَّزَ الْإِقَالَةَ هَهُنَا بِطَرِيقِ الْبَيْعِ الْمُسْتَقْبَلِ.
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهَا وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ حَتَّى وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْعَبْدِ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا هَهُنَا فَسْخًا فَإِنَّهُ بِالْفَسْخِ يَرُدُّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَهَبْ الثَّمَنَ مِنْهُ كَانَ الْفَسْخُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي حُرًّا كَانَ الْفَسْخُ صَحِيحًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ وَالْإِقَالَةَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَوْ صَحَّتْ كَانَ فَسْخًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ رَدِّ الْجَارِيَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْإِقَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُسْتَقْبَلِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ الْبَائِعِ بِأَلْفٍ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَيَأْخُذُ الْعَبْدُ الْأَلْفَ مِنْ الْبَائِعِ وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ، وَلَوْ أَقَالَهُ الْبَيْعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى أَوْ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بَاطِلَةً فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ عِنْدَهُ وَمَا سُمِّيَ فِيهَا مِنْ الثَّمَنِ بَاطِلٌ فَلَوْ رَدَّهَا رَدَّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هَذَا جَائِزٌ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَهَذَا غَيْرُ مُشْكِلٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْإِقَالَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجِنْسٍ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ تَكُونُ بَيْعًا مُبْتَدَأً فَكَأَنَّهُ بَاعَهَا ابْتِدَاءً بِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ فَيَكُونُ صَحِيحًا.
وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَمْ يَقْبِضْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute