للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ تَغْلِبِيًّا اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ فَلِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ فَلِأَنَّ كَافِرًا آخَرَ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً كَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ مُضَاعَفًا عِنْدَهُ فَالتَّغْلِبِيُّ أَوْلَى وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ عُشْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ تَضْعِيفَ الْعُشْرِ فِي الْأَرَاضِي الْأَصْلِيَّةِ لَهُمْ، وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَرَضِينَ التَّغْلِبِيُّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَمَا صَارَ وَظِيفَةً فِي الْأَرْضِ لَا يَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً كَانَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ نَجْرَانَ كَانَ عَلَيْهِ الْمَالُ عَلَى حَالِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مَا يَبْذُلُهُ الْمُسْلِمُ وَالْخَرَاجُ مِمَّا لَا يَبْذُلُهُ الْمُسْلِمُ فَلَا يُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الْعُشْرُ مِمَّا يَبْذُلُهُ الْمُسْلِمُ فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ الصُّلْحِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَائِمَةً مِنْ مُسْلِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِيهَا مُضْعِفَةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ زِرَاعَتِهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ مَا تَمَلَّكَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى زِرَاعَتِهَا حَتَّى تَمْضِيَ السَّنَةُ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي السَّنَةِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ.

(قَالَ): وَإِنْ بَاعَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً بِمَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ بَلَغَ فَالْعُشْرُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ فِيهَا ثُمَّ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مِلْكِهِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ حَقِّ الْفُقَرَاءِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْعُشْرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الزَّرْعُ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عُشْرُ الزَّرْعِ غَلَى الْبَائِعِ وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْقَصِيلِ إذَا قَصَلَهُ صَاحِبُهُ وَإِذَا لَمْ يَقْصِلْهُ حَتَّى انْعَقَدَ الْحَبُّ فَإِنَّمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْحَبِّ دُونَ الْقَصِيلِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْحَبُّ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ، وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَالِكِ كَذَلِكَ فَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّرْعُ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، وَانْعِقَادُ الْحَبِّ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِي النَّمَاءِ الْحَاصِلِ، وَأَصْلُ الزَّرْعِ إنَّمَا حَصَلَ لِلْبَائِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَمَّا الْمُشْتَرِي إنَّمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، وَهُوَ الثَّمَنُ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْعُشْرِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَأَوْجَبْنَاهُ عَلَى الْبَائِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>