عُرِفَ مِنْ مَقْصُودِ الْمُشْتَرِي إذْ مَقْصُودُهُ كَانَ هُوَ الْإِحْرَازُ دُونَ الْإِتْلَافِ وَقَدْ صَبَّ الرَّطْلَ الْأَوَّلَ فِي الْقَارُورَةِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَصَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِذَلِكَ الرَّطْلِ بِمِلْكِهِ، ثُمَّ انْكَسَرَتْ الْقَارُورَةُ فَسَالَ ذَلِكَ الرَّطْلُ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ، ثُمَّ بِالِانْكِسَارِ خَرَجَتْ الْقَارُورَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ وِعَاءً فَبَطَلَ حُكْمُ أَمْرِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ الْبَائِعُ بِصَبِّ مَا بَقِيَ فِيهَا مُتْلِفًا الْمَبِيعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُشْتَرِي فَسَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثَمَنُ مَا بَقِيَ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهِ بِإِتْلَافِ الْبَائِعِ.
وَإِنْ كَانَ الرَّطْلُ الْأَوَّلُ لَمْ يَسِلْ كُلُّهُ حِينَ صَبَّ الْبَائِعُ الرَّطْلَ الثَّانِيَ فِيهِ فَالْبَائِعُ ضَامِنٌ لِمَا بَقِيَ مِنْ الرَّطْلِ الْأَوَّلِ فِي الْقَارُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا انْفَسَخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِعَ خَلَطَ مَا بَقِيَ مِنْ الرَّطْلِ الْأَوَّلِ فِي الْقَارُورَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَمَنْ خَلَطَ زَيْتَ غَيْرِهِ بِزَيْتِ نَفْسِهِ يَكُونُ ضَامِنًا لِصَاحِبِهِ؛ فَلِهَذَا ضَمِنَ مَا بَقِيَ سَوَاءٌ كَانَ نِصْفَ الرَّطْلِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْقَارُورَةُ مَكْسُورَةً حِينَ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَ فِيهَا وَلَا يَعْلَمَانِ بِذَلِكَ فَكَالَ الْبَائِعُ فِيهَا عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَسَالَتْ كُلُّهَا فَالثَّمَنُ كُلُّهُ لَازِمٌ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَمَرَهُ لَمْ تَكُنْ الْقَارُورَةُ وِعَاءً صَالِحًا لِإِحْرَازِ الدُّهْنِ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْإِتْلَافِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَمَرَ الْبَائِعَ أَنْ يُتْلِفَهُ فَفَعَلَ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ بِأَمْرِ الْمُشْتَرَى كَإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي حُكْمِ الْقَبْضِ وَالْإِتْلَافِ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ سَوَاءٌ وَلَا مُعْتَبَرَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي وَجَهْلِهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا جَهْلَهُ بِذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ بِالْبَائِعِ وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي يَجِبُ دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ وَلِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِالصَّبِّ فِيهِ وَمَعَ التَّصْرِيحِ لَا مُعْتَبَرَ بِجَهْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَتْلِفْ هَذَا الْمَالَ فَأَتْلَفَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ لِلْآمِرِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ شَيْئًا.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ إنَّمَا صَرَّحَ بِالْأَمْرِ بِالْإِحْرَازِ لِكَوْنِ الْقَارُورَةِ صَحِيحَةً عِنْدَ الْأَمْرِ بِالصَّبِّ فِيهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ بِالْإِتْلَافِ صَرِيحًا؛ فَلِهَذَا قَيَّدْنَاهُ بِحَالِ بَقَاءِ الْقَارُورَةِ صَحِيحَةً.
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً فَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ أَوْ قَتَلَهَا مَوْلَاهَا وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْعَبْدَ وَلَا الْمَوْلَى قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ بِهَذَا الْقَبْضِ وَضَمَانُ الْقِيمَةِ مَعَ ضَمَانِ الثَّمَنِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَكِنَّهُ يُطَالِبُ الْعَبْدَ بِالثَّمَنِ فَيُبَاعُ لَهُ فِيهِ فَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُهُ عَنْ حَقِّهِ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى تَمَامُ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ صَارَتْ كَسْبًا لِلْعَبْدِ وَقَدْ أَتْلَفَهَا الْمَوْلَى بِالْقَتْلِ أَوْ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ دَيْنِ الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَفِ ثَمَنَ الْعَبْدِ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute