يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا سَلَّمَهَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْأَخْذِ، وَإِذَا سَلَّمَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِس الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحَقَّ وَاجِبٌ لَهُ لَا بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْغُرَمَاءِ، وَلَكِنْ يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَانَ الْعَبْدُ عَلَى حَقِّهِ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ إنْ شَاءَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍّ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْأَخْذِ فَكَذَلِكَ التَّسْلِيمُ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَالتَّسْلِيمُ إسْقَاطٌ، وَهُوَ ضِدُّ مَا وَكَّلَهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ وَكِيلُ الْعَبْدِ بِالْأَخْذِ بَعْضَ غُرَمَائِهِ فَتَسْلِيمُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ سَلَّمَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إقْرَارُهُ بِذَلِكَ جَائِزٌ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِ وَكِيلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الدَّيْنِ، وَإِقْرَارِ وَكِيلِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ، وَأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ.
رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَ الْوَصِيُّ دَارًا لِلْمَيِّتِ لَهَا شَفِيعٌ فَوَكَّلَ الشَّفِيعُ بَعْضَ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّارَ إنَّمَا بِيعَتْ لَهُ، وَكَمَا أَنَّ مَنْ بِيعَتْ لَهُ لَا يَأْخُذُهَا لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُهَا لِغَيْرِهِ بِوَكَالَتِهِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قُلْنَا فِيمَا بَاعَهُ الْعَبْدُ: إنَّ الْمَوْلَى أَوْ الْغَرِيمَ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِلشَّفِيعِ فِي الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لِغُرَمَائِهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ.
وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ اشْتَرَى فِي حَيَاتِهِ دَارًا، وَقَبَضَهَا ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَطَلَبَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ، وَوَكَّلَ فِي الْخُصُومَةِ فِيهَا بَعْضَ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّوْكِيلُ مَلَكَ التَّسْلِيمَ، وَالْإِقْرَارَ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالتَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ فَإِنْ - سَلَّمَهَا الْوَصِيُّ بِغَيْرِ خُصُومِهِ كَانَتْ لِلشَّفِيعِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَقْبِضَهَا، وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُهَا، وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمَّا بَطَلَتْ صَارَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ لِلشَّفِيعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ وَارِثًا بِذَلِكَ فَإِنَّ فِي التَّسْلِيمِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَنْفَعَةَ الْوَارِثِ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّ الْغَرِيمِ.
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ دَارًا وَسَلَّمَهَا وَلَهَا شَفِيعٌ فَوَكَّلَ الشَّفِيعُ بِخُصُومَةِ الْمُشْتَرِي مَوْلَى الْعَبْدِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ وَكَّلَ بَعْضَ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَائِعٌ لِلدَّارِ لِغُرَمَائِهِ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ مَالِيَّتَهَا حَقُّهُمْ، لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute