بِجَمِيعِ ذَلِكَ كَانَتْ الْقِيمَةُ حَالَّةً فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَتَلَهُ الْمَوْلَى بِيَدِهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا فَالْمَوْلَى مَالِكٌ لِكَسْبِهِ كَمَا هُوَ مَالِكٌ؛ لِرَقَبَتِهِ فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغَرِيمِ فِي مَالِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَتْلُهُ إيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِهِ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ، فَتَكُونُ الْقِيمَةُ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ الْقَتْلِ، وَلَكِنَّهَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ كَالْمَالِكِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِخْلَاصِهِ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِذَلِكَ.
وَإِنْ قَتَلَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ أَوْ عَبْدَ مُكَاتَبِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ وُجِدَ الْمُكَاتَبُ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَةُ الْقَتِيلِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ الْقَتْلِ، فَإِنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، لِلْمَوْلَى رَقَبَتُهُ مِنْ وَجْهٍ كَالزَّائِلَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا فَتَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَكُونُ مُؤَجَّلَةً، وَلَكِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ مِنْ وَجْهِ أَنَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقَّ الْمِلْكِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ حَقِيقَةً عِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَذَلِكَ.
وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْقِيمَةِ، وَفِي تَرِكَتِهِ وَفَاءٌ لِمُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُبْقِي عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَيُؤَدِّي الْبَدَلَ مِنْ كَسْبِهِ وَبَدَلَ نَفْسِهِ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفَاءً فِيهِمَا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى فِي قَتْلِ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدَهُ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ وُجِدَ الْمَوْلَى قَتِيلًا فِي دَارِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَانَتْ دِيَةُ الْمَوْلَى عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِوَرَثَتِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا دَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ فِي حُكْمِ الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ دَارٍ أُخْرَى لِلْمَوْلَى حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِيهَا أَجْنَبِيٌّ قَتِيلًا كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةٍ الْمَوْلَى فَإِذَا وُجِدَ الْمَوْلَى قَتِيلًا فِيهَا فَهَذَا رَجُلٌ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَعْرُوفٌ فِيمَا إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ.
وَلَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ دَارِهِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى فَكَأَنَّهُ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دِيَتِهِ حَالًّا فِي مَالِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارٍ أُخْرَى لِلْمَوْلَى لِأَنَّ دَارَ الْعَبْدِ فِي حُكْمِ الْقَتِيلِ الْمَوْجُودِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْعَبْدُ فِيهَا قَتِيلًا، وَذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ الصَّغِيرِ أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَلَوْ وُجِدَ الْغَرِيمُ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ قَتِيلًا فِي دَارِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ دَارِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي دَيْنِ ذِمَّتِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّةِ كَسْبِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute