للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعُودُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَالْجِنَايَةُ لَا تَعُودُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ الْمِلْكُ الْقَائِمُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَا يَبْقَى حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ إذَا زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ، وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَسَوَاءٌ عَادَ ذَلِكَ الْمِلْكُ أَوْ لَمْ يَعُدْ بَقِيَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا كَانَ، وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لَا يَجِبُ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ فَلِهَذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ فِي مِلْكِ مَنْ كَانَ، وَإِنْ ارْتَدَّ الْمَأْذُونُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ جِنَايَةٌ خَطَأً، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فَمَوْلَاهُ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْهُ الْمُشْرِكُونَ إنَّمَا هُوَ أَبِقَ إلَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ بَقِيَ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ بِحَالِهِمَا يُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ قَالَ: وَإِذَا أَدَانَ الْمُسْلِمُ دِينًا ثُمَّ ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أُسِرَ فَإِنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ بَطَلَ الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ مَالُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ؛ لِأَنَّ مَالَهُ الَّذِي خَلَفَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَصْرُوفٌ إلَى حَاجَتِهِ، وَهُوَ خَلَفٌ عَنْ ذِمَّتِهِ فِي وُجُوبِ - قَضَاءِ الدَّيْنِ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ فَاتَ مَحَلُّ الدَّيْنِ حِينَ قُتِلَ فَبَطَلَ دَيْنُهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ مَدْيُونٍ يَمْلِكُ مُفْلِسًا.

وَلَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً فَسُبِيَتْ وَأَسْلَمَتْ فَهِيَ أَمَةٌ لِلَّذِي اسْتَوْلَدَهَا، وَقَدْ بَطَلَ الدَّيْنُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ نَفْسَهَا تَبَدَّلَتْ بِالْأَسْرِ فَصَارَتْ كَالْهَالِكَةِ لَا إلَى خَلَفٍ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ، وَالرِّقُّ تَلَفٌ؛ وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الدَّيْنِ تَغَيَّرَ بِحُدُوثِ الرِّقِّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَجَبَ الدَّيْنُ كَانَ فِي ذِمَّتِهَا، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَحَلٍّ آخَرَ، وَبَعْدَ مَا صَارَتْ أَمَةً فَالدَّيْنُ عَلَيْهَا يَكُونُ شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهَا أَنْ لَوْ بَقِيَ وَهَذِهِ مَالِيَّةٌ حَادِثَةٌ لَا يُمْكِنُ شَغْلُهَا بِالدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَمْلُوكِ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ فَيَسْقُطُ بِهَذِهِ الْمُنَافَاةِ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدٍّ وَقِصَاصٍ كَانَ عَلَيْهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَبْلَ الرِّدَّةِ؛ لِتَغْيِيرِ حُكْمِهِ بِرِقِّهَا فَالرِّقُّ يُنَصِّفُ الْحُدُودَ وَيُنَافِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ بِالرِّقِّ، وَالْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الذِّمِّيُّ أَوْ الْمَرْأَةُ الذِّمِّيَّةُ يَنْقُضُ الْعَهْدَ وَيَلْتَحِقُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَوْمَ يُؤْسَرُ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَقَدْ بَطَلَ الدَّيْنُ، وَكُلُّ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ دُونَ النَّفْسِ كَانَ عَلَيْهِ يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِرِقِّهِ، وَيُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ وَالرَّقِيقَ فِيهِ سَوَاءٌ.

وَإِذَا اسْتَدَانَ الْحُرُّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا أُخِذَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِبَقَاءِ دَيْنِهِ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى بِلَادِهِ، وَبَعْدَ عَوْدِهِ إلَيْنَا، وَلَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا مُتَمَكِّنًا؛ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَازَ فِي الدَّيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْنَا حَتَّى أُسِرَ فَصَارَ عَبْدًا بَطَلَ الدَّيْنُ لِتَبَدُّلِ نَفْسِهِ بِالرِّقِّ، وَلَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَأَدَانَ حَرْبِيًّا ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>