لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ دُوهُ فَقَالَ أَخُوهَا عِمْرَانُ بْنُ عُوَيْمِرٌ الْأَسْلَمِيُّ أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ، وَلَا اسْتَهَلَّ، وَلَا شَرِبَ، وَلَا أَكَلَ وَمِثْلُ دَمِهِ بَطَلَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ»، وَفِي رِوَايَةٍ «دَعْنِي، وَأَرَاجِيزَ الْعَرَبِ قُومُوا فَدُوهُ» الْحَدِيثَ.
فَفِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ إنَّمَا يَقْصِدُهُ الْقَاتِلُ بِزِيَادَةِ قُوَّةٍ لَهُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّنَاصُرِ الظَّاهِرِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا التَّنَاصُرِ أَسْبَابٌ مِنْهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ أَهْلِ الدِّيوَانِ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي الدِّيوَانِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْعَشَائِرِ، وَأَهْلِ الْمَحَالِّ، وَأَهْلِ الْحِرَفِ فَإِنَّمَا يَكُونُ تَمَكُّنُ الْفَاعِلِ مِنْ مُبَاشَرَتِهِمْ بِنُصْرَتِهِمْ فَيُوجِبُ الْمَالَ عَلَيْهِمْ؛ لِيَكُونَ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ غَلَبَةِ سُفَهَائِهِمْ؛ وَبَعْثًا لَهُمْ عَلَى الْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِهِمْ لِكَيْ لَا تَقَعَ مِثْلُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ هَذَا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَكَذَلِكَ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ قَلَّمَا يُبْتَلَى بِهِ الْمَرْءُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَّا لِضَرْبِ اسْتِهَانَةٍ وَقِلَّةِ مُبَالَاةٍ تَكُونُ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِنَصْرِهِ مَنْ يَنْصُرُهُ ثُمَّ الدِّيَةُ مَالٌ عَظِيمٌ، وَفِي إيجَابِ الْكُلِّ عَلَى الْقَاتِلِ إجْحَافٌ بِهِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ دَفْعًا لِضَرَرِ الْإِجْحَافِ عَنْ الْقَاتِلِ كَمَا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ؛ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْحَاجَةِ.
وَلِهَذَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مُؤَجَّلًا عَلَى وَجْهٍ يَقِلُّ مَا يُؤَدِّيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كُلِّ نَجْمٍ لِيَكُونَ الِاسْتِيفَاءُ فِي نِهَايَةٍ مِنْ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُبْتَلَى بِمِثْلِ ذَلِكَ فَهَذَا يُوَاسِي ذَلِكَ إذَا اُبْتُلِيَ بِهِ، وَذَلِكَ يُوَاسِي هَذَا فَيُدْفَعُ ضَرَرُ الْإِجْحَافِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَحْصُلُ مَعْنَى صِيَانَةِ دَمِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْهَدَرِ، وَمَعْنَى الْإِعْسَارِ لِوَرَثَتِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّا لَا نَجْعَلُ وِزْرَ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا نُوجِبُ مَا نُوجِبُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فِي الْمُوَاسَاةِ، وَبِهَذَا لَا نُوجِبُ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُتْلَفُ مَالًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَلَّ مَا يَعْظُمُ هُنَاكَ بَلْ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمُتْلَفِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ بِالْمُتْلِفِ أَنْ لَوْ ضَمِنَ بِهِ، وَهَذَا لَا نُوجِبُ الْقَلِيلَ مِنْ الْأَرْشِ، وَهُوَ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
وَمِنْ مُوجِبِ شِبْهِ الْعَمْدِ أَيْضًا حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ أَصْلِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَمِنْ مُوجِبِهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ أَصْلِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَبِهَذَا ثَبَتَ فِي الْخَطَأِ الْمَحْضِ فَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَهُوَ مَا أَصَبْت مِمَّا كُنْت تَعَمَّدْت غَيْرَهُ.
وَالْخَطَأُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْصِدَ الرَّمْيَ إلَى صَيْدٍ أَوْ هَدَفٍ أَوْ كَافِرٍ فَيُصِيبُ مُسْلِمًا فَهَذَا خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ انْعَدَمَ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَ وَالثَّانِي: أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ فَهَذَا خَطَأٌ بِاعْتِبَارِ مَا فِي قَصْدِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ قَاصِدًا إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ
وَحُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute