للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظِّهَارِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ يَجُوزُ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ فِي حَادِثَيْنِ يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا، وَمَوْضِعُ بَيَانِهِ أُصُولُ الْفِقْهِ.

فَأَمَّا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فَهُوَ النَّائِمُ إذَا انْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَلَا خَطَأٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَوُّرَ لِلْقَصْدِ مِنْ النَّائِمِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ مِنْهُ تَرْكُ الْقَصْدِ أَوْ تَرْكُ التَّحَرُّزِ، وَلَكِنَّ الِانْقِلَابَ الْمُوجِبَ لِتَلَفِ مَا انْقَلَبَ عَلَيْهِ يَتَحَقَّقُ مِنْ النَّائِمِ فَيَجْرِي هَذَا مَجْرَى الْخَطَأِ حَتَّى تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْكَفَّارَةُ وَيَثْبُتُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ؛ لِيُوهِمَ أَنْ يَكُونَ مُتَهَاوِنًا، وَلَمْ يَكُنْ نَائِمًا قَصْدًا مِنْهُ إلَى اسْتِعْجَالِ الْمِيرَاثِ، وَأَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ الْقَصْدَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ.

فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِعَمْدٍ، وَلَا خَطَأٍ، وَلَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ فَهُوَ حَافِرُ الْبِئْرِ وَوَاضِعُ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ فَلَيْسَ بِمُبَاشِرٍ لِلْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقَتْلِ بِإِيصَالِ فِعْلٍ مِنْ الْقَاتِلِ بِالْمَقْتُولِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنَّمَا اتَّصَلَ فِعْلُهُ بِالْأَرْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلِ عَمْدٍ، وَلَا شِبْهِ عَمْدٍ، وَلَا خَطَأٍ، وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ بَلْ هُوَ بِسَبَبٍ مُتَعَدٍّ فَنُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ النَّفْسِ الْمُتْلَفَةِ عَنْ الْهَدَرِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ عَلَى مَا يَأْتِيك بَيَانُهُ فِي بَابِهِ قَالَ: وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، مَعْنَاهُ بِسَبَبِ إتْلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ حَقِيقَةً، وَالنَّفْسُ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِلدِّيَةِ بَلْ قَتْلُهَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ كَمَا يُقَالُ فِي النِّكَاحِ حَلَّ، وَفِي الشِّرَاءِ مَلَكَ.

وَهَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَقَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَمَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَا ثَانِيَ لَهُ فِي الْبَدَنِ مِنْ أَعْضَاءٍ أَوْ مَعَانٍ مَقْصُودَةٍ فَإِتْلَافُهَا كَإِتْلَافِ النَّفْسِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ بِهَا كَمَالُ الدِّيَةِ، وَالْأَعْضَاءُ الَّتِي هِيَ أَفْرَادٌ ثَلَاثَةٌ الْأَنْفُ، وَاللِّسَانُ، وَالذَّكَرُ وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ»، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ قَطْعُ الْأَنْفِ تَفْوِيتُ جَمَالٍ كَامِلٍ وَمَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ وَامْتِيَازُ الْآدَمِيِّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَاتَ بِهِمَا فَتَفْوِيتُهُمَا فِي مَعْنَى تَفْوِيتِ النَّفْسِ فَكَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ جَمِيعِ الْأَنْفِ بِحَيْثُ يُقْطَعُ الْمَارِنُ؛ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ بِهِ يَحْصُلُ، وَكَذَلِكَ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي الْأَنْفِ اجْتِمَاعُ الرَّوَائِحِ فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ؛ لِنَقْلِهِ مِنْهَا إلَى الدِّمَاغِ، وَذَلِكَ تَفْوِيتٌ بِقَطْعِ الْمَارِنِ وَالْمَارِنُ: مَا دُونَ قَصَبَةِ الْأَنْفِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ

وَكَذَلِكَ فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ قَدْ امْتَازَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ بِاللِّسَانِ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى عِبَادِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ} [الرحمن: ٣] {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: ٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>