للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ عَلَى الذَّقَنِ، وَالْخَدِّ جَمِيعًا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا بَعْضَ الْجَمَالِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِكَامِلٍ فَيَجِبُ بِتَفْوِيتِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ، وَفِي لِحْيَتِهِ مَعْنَى الْجَمَالِ الْكَامِلِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فَسَدَ الْمَنْبَتُ فَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِفِعْلِ الْجَانِي أَثَرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبَةِ الَّتِي لَا يَبْقَى أَثَرُهَا فِي الْبَدَنِ، وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ نَبَتَتْ بَيْضَاءَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ يَزْدَادُ بِبَيَاضِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ بَيَاضَ الشَّعْرِ جَمَالٌ فِي أَوَانِهِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَيَشِينُهُ فَيَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ بِاعْتِبَارِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَيَسْتَوِي الْجَوَابُ إنْ انْخَسَفَتْ أَوْ ذَهَبَ بَصَرُهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ أَوْ ابْيَضَّتْ حَتَّى ذَهَبَ الْبَصَرُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْعَيْنِ تَفُوتُ فِي هَذَا كُلِّهِ، وَقِيلَ: ذَهَابُ الْبَصَرِ بِمَنْزِلَةِ فَوَاتِ الْعَيْنِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَائِهَا بَعْدَمَا ذَهَبَ الْبَصَرُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ خَنَقَ إنْسَانًا حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفْسُ بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا، وَكَذَلِكَ الْيَدُ إذَا شُلَّتْ حَتَّى لَا يَنْتَفِعَ بِهَا فَفِيهَا أَرْشُهَا كَامِلًا إمَّا؛ لِأَنَّ الشَّلَلَ دَلِيلُ مَوْتِهَا أَوْ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْبَطْشِ تَحَقَّقَ فَوَاتُهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَهُوَ، وَمَا لَوْ قُطِعَتْ الْيَدُ سَوَاءٌ فِي إيجَابِ الْأَرْشِ.

قَالَ: وَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَالْكَلَامُ فِي مَعْرِفَةِ الشِّجَاجِ أَنْ يَقُولَ: الشِّجَاجُ الْحَارِصَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ وَمِنْهُ يُقَالُ: حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ ثُمَّ الدَّامِعَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا قَدْرُ الدَّمْعِ مِنْ الدَّمِ ثُمَّ الدَّامِيَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا قَدْرُ الدَّمْعِ مِنْ الدَّمِ ثُمَّ الْبَاضِعَةُ، وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ بَعْضَ اللَّحْمِ ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعُ أَكْثَرَ اللَّحْمِ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ فِي مَأْخَذِ الْكَلِمِ لَا فِي الْحُكْمِ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِك الْتَحَمَ الشَّيْئَانِ إذَا اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَالْمُتَلَاحِمَةُ مَا تُظْهِرُ اللَّحْمَ، وَلَا تَقْطَعُهُ، وَالْبَاضِعَةُ بَعْدَهَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُتَلَاحِمَةُ: مَا تَعْمَلُ فِي قَطْعِ أَكْثَرِ اللَّحْمِ فَهِيَ بَعْدَ الْبَاضِعَةِ ثُمَّ السِّمْحَاقُ: وَهِيَ الَّتِي تَقْطَعُ اللَّحْمَ وَتُظْهِرُ الْجِلْدَةَ الرَّقِيقَةَ بَيْنَ اللَّحْمِ، وَالْعَظْمِ فَتِلْكَ الْجِلْدَةُ تُسَمَّى سِمْحَاقًا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ سَمَاحِيقَ ثُمَّ الْمُوضِحَةُ، وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ حَتَّى يَبْدُوَ ثُمَّ الْهَاشِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْعَظْمُ أَوْ تَجْعَلُ الْعَظْمَ كَالنَّقْلَةِ، وَهِيَ كَالْحَصَى ثُمَّ الْآمَّةُ، وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الْجِلْدَ بَيْنَ الْعَظْمِ، وَالدِّمَاغِ، وَتُسَمَّى تِلْكَ الْجِلْدَةُ أُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الدَّامِغَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَجْرَحُ الدِّمَاغَ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ الدَّامِغَةَ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى

<<  <  ج: ص:  >  >>