فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ. وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ السِّيَاسَةِ لِكَوْنِهِ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ بَيَانُهُ فِيمَا رُوِيَ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوهَا وَبِهَا رَمَقٌ فَقِيلَ لَهَا أَقَتَلَك فُلَانٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا لَا حَتَّى ذَكَرُوا الْيَهُودِيَّ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ، وَإِنَّمَا يَعُدْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ مَنْ يَكُونُ مُتَّهَمًا بِمِثْلِ ذَلِكَ مَعْرُوفًا بِهِ وَعِنْدَنَا إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ فَأَمَّا الدَّمُ. .
الْعَصَا الصَّغِيرَةُ إذَا، وَالَى بِهَا فِي الضَّرَبَاتِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا ضَرَبَهُ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصًا، وَهُوَ يَقُولُ الْقَصْدُ بِالْعَصَا الصَّغِيرَةِ عِنْدَ الْمُوَالَاةِ الْقَتْلُ فَيَكُونُ الْفِعْلُ بِهَا عَمْدًا مَحْضًا بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ بِخِلَافِ الْعَصَا الصَّغِيرَةِ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَاكَ التَّأْدِيبُ، وَالْغَالِبُ مَعَهُ السَّلَامَةُ وَلَا يَكُونُ الْقَتْلُ بِهَا إلَّا نَادِرًا فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فَأَمَّا مَعَ الْمُوَالَاةِ، فَالْقَصْدُ مِنْهُ الْقَتْلُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ التَّهْدِيدَ بِالضَّرْبِ بِالسَّوْطِ مَعَ الْمُوَالَاةِ كَالتَّهْدِيدِ فَالْقَتْلُ فِي حُكْمِ الْإِكْرَاهِ بِخِلَافِ التَّهْدِيدِ بِضَرْبِ سَوْطٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ حُصُولُ الضَّرَبَاتِ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَتْلِ كَوْنُ النَّفْسِ مَعْمُودَةً لَا التَّيَقُّنُ بِكَوْنِ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الضَّرْبَةِ، وَالضَّرَبَاتِ أَنَّ شُرْبَ الْقَلِيلِ مِنْ الْمُثَلَّثِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ، فَإِنْ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى سَكِرَ لَزِمَهُ الْحَدُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ مُمْرِئٌ لِلطَّعَامِ، وَالْكَثِيرَ مُسْكِرٌ.
وَإِذَا حَصَلَ السُّكْرُ بِالْكَثِيرِ مِنْهُ لَا يُمَيَّزُ بَعْضُ الْفِعْلِ عَنْ الْبَعْضِ، بَلْ يُجْعَلُ الْكُلُّ كَفِعْلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهُوَ الْحَدُّ فَهَذَا مِثْلُهُ وَأَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ، وَالْعَصَا، فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَيَكُونُ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ وَبِالرَّفْعِ قَتِيلُ السَّوْطِ، وَالْعَصَا فَيَكُونُ خَبَرًا لِلِابْتِدَاءِ وَفِي كِلَيْهِمَا بَيَانُ أَنَّ قَتِيلَ السَّوْطِ، وَالْعَصَا يَكُونُ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ، وَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِمَجْمُوعِ أَفْعَالٍ لَوْ حَصَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ فَكَذَلِكَ إذَا حَصَلَ بِمَجْمُوعِهَا كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَاتٍ خَطَأً، أَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً وَهَذَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ إذَا انْفَرَدَ فَانْضِمَامُ مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ إلَى مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ كَيْفَ يَكُونُ وَاجِبًا لِمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَوْ انْضَمَّ مَا هُوَ مُوجِبٌ إلَى مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، فَإِذَا انْضَمَّ مَا هُوَ مُوجِبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute