للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُسَاوَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْفِعْلِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْفِعْلِ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ وَتَعَذُّرُهُ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْمَشْرُوعِ بِأَنْ يَكُونَ حَرَامًا، أَوْ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْقَتْلُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ مَا يَكُونُ مُتَمِّمًا لَهُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَيَكُونُ الثَّانِي مُتَمِّمًا لِلْأَوَّلِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ خَطَأً، ثُمَّ قَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَجُعِلَ الْفِعْلُ الثَّانِي تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ»، وَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِ السَّيْفِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَتْلٌ مُسْتَحَقٌّ شَرْعًا فَيُسْتَوْفَى بِالسَّيْفِ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْفِي الْمُسْتَحَقُّ بِالطَّرِيقِ الَّذِي يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ طَرِيقٌ لَهُ وَحَزُّ الرَّقَبَةِ يَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ طَرِيقُ اسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ فَأَمَّا قَطْعُ الْيَدِ فَلَا يَكُونُ طَرِيقًا لِذَلِكَ إلَّا بِشَرْطٍ، وَهُوَ السِّرَايَةُ وَذَلِكَ لِضَعْفِ الطَّبِيعَةِ عَنْ دَفْعِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَتْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ ثَابِتًا قَبْلَ الشَّرْطِ فَقَبْلَ السِّرَايَةِ هَذَا الْفِعْلُ غَيْرُ الْقَتْلِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا وَصُورَةُ الْفِعْلِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ إزْهَاقُ الرُّوحِ عُرْفًا لِمَعْنَى الِانْتِقَامِ وَاسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ شَرْعًا فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ وَلَا يُقَالُ لَا يَقْمَعُ النَّاسُ فِي الِابْتِدَاءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفِعْلُ مُؤَثِّرًا فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْمَعُ النَّاسَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ مَقْصُودِ صَاحِبِ الْحَقِّ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، ثُمَّ هَذَا اعْتِبَارُ مُعَادِلَةٍ تُوقِعُنَا فِي الظُّلْمِ فِي الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَاخَتْ يَدُهُ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ، وَالْفِعْلُ الثَّانِي بَعْدَ الْبُرْءِ لَا يَكُونُ إتْمَامًا لِلْأَوَّلِ بِدَلِيلِ الْخَطَأِ فَيُؤَدِّي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ وَإِلَى الْمُثْلَةِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، فَإِنْ قِيلَ بِأَيِّ طَرِيقٍ تَسْقُطُ حُرْمَةُ ذَبْحِ الْقَاتِلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ فِي مَذْبَحِ الْمَقْتُولِ قُلْنَا بِالطَّرِيقِ الَّذِي يَسْقُطُ عِنْدَكُمْ حُرْمَةُ مَذْبَحِهِ إذَا تَرَاخَتْ يَدُهُ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ قَبْلَ قَطْعِ الْيَدِ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ مَا بَيَّنَّا وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ قَضَى بِالْقِصَاصِ شَاذٌّ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَهُ الرَّاوِي بِنَاءً عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَانَ بِطَرِيقِ الْقِصَاصِ وَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ.

، وَإِنْ اجْتَمَعَ رَهْطٌ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ بِالسِّلَاحِ فَعَلَيْهِمْ فِيهِ الْقِصَاصُ بَلَغْنَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ الْقِصَاصُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الظُّلْمِ عَلَى الْمُتَعَدِّي وَلِمَا فِي النُّقْصَانِ مِنْ الْبَخْسِ بِحَقِّ الْمُتَعَدِّي عَلَيْهِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ، وَالْوَاحِدِ وَهَذَا شَيْءٌ يُعْلَمُ بِبَدَاهَةِ الْعُقُولِ، فَالْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَشَرَةُ مَثَلًا لِلْوَاحِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>