للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَطْهُرُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَلَا يَنْتَبِهُ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِي أَيَّامِهِ يَوْمَ الشَّكِّ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَرْضَ لَيْلًا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ.

وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ فِي أَكْثَرِ وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَتَرَجَّحُ بِهِ جَانِبُ الْعَدَمِ ثُمَّ الْقُرْبُ بِسَبَبِ الصَّوْمِ وَقَعَ فِي تَرْكِ الْغَدَاءِ كَمَا بَيَّنَّا وَوَقْتُ الْغَدَاءِ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ فَإِذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ كَانَ تَارِكًا لِلْغَدَاءِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ، وَإِذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ الْغَدَاءَ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ فَلَا يَكُونُ صَوْمًا وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ قَدِمَ مِصْرَهُ، أَوْ لَمْ يَقْدَمْ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ شَيْئًا جَازَ صَوْمُهُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ يَقُولُ إمْسَاكُ الْمُسَافِرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِصَوْمِ الْفَرْضِ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ إلَيْهِ فِي حَقِّهِ إلَى أَوَّلِ النَّهَارِ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ جُوِّزَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ إقَامَةُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرَ وَقْتِ الْأَدَاءِ مُقَامَهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ وُجِدَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَالْمُسَافِرُ فِي هَذَا الْوَقْتِ أُسْوَةُ الْمُقِيمِ إنَّمَا يُفَارِقُهُ التَّرَخُّصُ بِالْفِطْرِ وَلَمْ يَتَرَخَّصْ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِي وَقْتِهَا مَعَ ضَرْبِ نُقْصَانٍ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِهَا عَنْ وَقْتِهَا وَالْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَبِهَذَا فَارَقَ صَوْمَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْأَيَّامُ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ فَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ نُجَوِّزْهُ مَعَ النُّقْصَانِ فَلِهَذَا اعْتَبَرَ صِفَةَ الْكَمَالِ مِنْهُ

(قَالَ): رَجُلٌ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْهُ فَصَوْمُهُ جَائِزٌ، وَقَدْ أَسَاءَ حِينَ تَقَدَّمَ النَّاسَ وَمُرَادُهُ فِي هَذَا يَوْمُ الشَّكِّ وَمَعْنَى الشَّكِّ أَنْ يَسْتَوِيَ طَرَفُ الْعِلْمِ وَطَرَفُ الْجَهْلِ بِالشَّيْءِ وَإِنَّمَا يَقَعُ الشَّكُّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ فَوَقَعَ الشَّكُّ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّلَاثُونَ مِنْهُ أَوْ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ، أَوْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، أَوْ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا خِلَافَ إنَّهُ يُكْرَهُ الصَّوْمُ فِيهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ»؛ وَلِأَنَّهُ حِينَ نَوَى الْفَرْضَ فَقَدْ اعْتَقَدَ الْفَرِيضَةَ فِيمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَذَلِكَ كَاعْتِقَادِ النَّفْلِيَّةِ فِيمَا هُوَ فَرْضٌ وَلَكِنْ مَعَ هَذَا إذَا تَبَيَّنَّ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الصَّوْمِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَأَمَّا إذَا صَامَ فِيهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ وَافَقَ ذَلِكَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، أَوْ صَامَ قَبْلَهُ أَيَّامًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَوْمِ الشَّكِّ» وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا

<<  <  ج: ص:  >  >>