مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الْعَفْوِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَجْعَلَهُ تَبَعًا لِلنَّفْسِ بِأَنْ يَقْتُلَهُ فَيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ قَتْلًا وَيَصِيرَ الطَّرَفُ تَبَعًا لِلنَّفْسِ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَأَمَّا بَعْدَ الْعَفْوِ، فَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ فِي النَّفْسِ وَبَقِيَ الطَّرَفُ مَقْصُودًا بِالِاسْتِيفَاءِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ مَقْصُودًا فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى امْرَأَةٍ فَرَمَى بِهَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَلَوْ ثَبَتَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي أَطْرَافِهَا مَقْصُودًا لَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى عَبْدِ إنْسَانٍ إذَا تَصَرَّفَ فِي مَالِيَّتِهِ كَانَ هُوَ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ حَقُّهُ ثَبَتَ فِي مَالِيَّتِهِ تَبَعًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ بِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَالِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الطَّرَفِ إنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فِي أَطْرَافِهِ لِإِنْسَانٍ وَفِي نَفْسِهِ لِآخَرَ فَجَاءَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ فَقَطَعَ طَرَفَهُ لَمْ يَضْمَنْ مَنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِصَاحِبِ الطَّرَفِ وَلَوْ كَانَ حَقُّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ثَابِتًا فِي الطَّرَفِ لَصَارَ هُوَ قَاضِيًا بِطَرَفِهِ حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَغْرَمُ الْأَرْشَ لِصَاحِبِ الطَّرَفِ، وَهُوَ بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ مَعَ الْكَفِّ فَإِنَّ حَقَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ ثَابِتٌ فِي الْأَصَابِعِ هُنَاكَ بِدَلِيلِ أَنَّ فَوَاتَ بَعْضِ الْأَصَابِعِ يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ، وَأَنَّ الْكَفَّ تَابِعَةٌ لِلْأَصَابِعِ بِدَلِيلِ حُكْمِ الْأَرْشِ فَأَمَّا هُنَا فَفَوَاتُ الْأَطْرَافِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِصَاحِبِ النَّفْسِ وَلَا يَنْقُصُ بَدَلُ النَّفْسِ بِفَوَاتِ الْأَطْرَافِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي الزِّيَادَاتِ، وَالْجَوَابُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ بَعْدَ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ بِالسِّرَايَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَصْلَ فِعْلِهِ كَانَ قَتْلًا، وَأَنَّهُ كَانَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْقَبَ الْقَطْعُ قَتْلًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ يَكُونُ مُتَمِّمًا لِلْمَقْصُودِ بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَتْلٌ، وَالْقَتْلُ حَقُّهُ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَذَا قَتَلَهُ، فَقَدْ تَقَرَّرَ حَقُّهُ فِي النَّفْسِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ وُجُوبَ ضَمَانِ الطَّرَفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ إنَّ عَفْوَهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْيَدِ مَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ الْقَتْلِ حَتَّى يُقَالَ يَنْصَرِفُ عَفْوُهُ إلَى مَا بَقِيَ.
قَالَ: وَفِي الْعَيْنِ الْقِصَاصُ وَفِي السِّنِّ الْقِصَاصُ إذَا قُلِعَتْ، أَوْ كُسِرَ بَعْضُهَا وَلَمْ يَسْوَدَّ مَا بَقِيَ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مِنْهُ حَرْفٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ فِعْلِ مِثْلِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْسِرَ بَعْضَ السِّنِّ عَلَى وَجْهٍ يَسْوَدُّ مَا بَقِيَ؛ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْفِعْلَ كُلَّهُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَآخِرُهُ مُوجِبٌ لِلْأَرْشِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي جَمِيعِهِ وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute