للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَارَقَ الْوَصِيَّةَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَيْسَ بِالْعَقْدِ.

وَإِذَا كَانَ دَمُ الْعَمْدِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَعُفِيَ أَحَدُهُمَا فَلَا قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَشَاوَرَ فِيهَا ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَرَى هَذَا قَدْ أَحْيَا بَعْضَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُتْلِفَهُ فَأَمْضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَضَاءَ عَلَى رَأْيِهِ، وَهُوَ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْعَافِيَ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ فَصَحَّ إسْقَاطُهُ وَبِإِسْقَاطِهِ حَقَّ بَعْضِ نَفْسِ الْقَاتِلِ، وَالْآخَرُ يَعْجَزُ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ اسْتِيفَاءً، ثُمَّ الْقِصَاصُ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا لَا يَتَجَزَّأُ سُقُوطًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْآخَرَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ قُلْنَا إنَّمَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ، وَهُوَ مُرَاعَاةُ الْحُرْمَةِ لِبَعْضِ نَفْسِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فَيَجِبُ الْمَالُ لِلْآخَرِ وَلَا يَجِبُ لِلْعَافِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي حَقِّهِ كَانَ بِإِسْقَاطِهِ، ثُمَّ لِلْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْعَمْدُ الْمَحْضُ وَيَكُونُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ فِي سَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَا وَجَبَ لِلْآخَرِ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ يَكُونُ مُؤَجَّلًا فِي سَنَتَيْنِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ حَقُّهُمَا فِي بَدَلِ النَّفْسِ وَبَدَلُ النَّفْسِ مُؤَجَّلٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إذَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا وَاَلَّذِي وَجَبَ لِلْآخَرِ جُزْءٌ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ كَذَلِكَ.

وَإِذَا كَانَ دَمُ الْعَمْدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَدْ عُفِيَ فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ الْقَاتِلُ، وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَلِلشَّاهِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعَفْوِ مِنْ الْآخَرِ بِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ كَثُبُوتِهِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ فِي ذَلِكَ فَلِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَا شَيْءَ لِلشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ نَصِيبِهِ مِنْ الْقَوَدِ لَا لِمَعْنَى مِنْ جِهَتِهِ، بَلْ بِشَهَادَةِ الشَّرِيكِ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ، وَهُوَ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ مُتَّهَمٌ فَيَكُونُ كَاذِبًا فِي حَقِّهِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَفْوِ مِنْ الشَّاهِدِ فَيَسْقُطُ حَقُّ الشَّاهِدِ وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْقَاتِلُ وَكَذَّبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ.

أَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِمَا قُلْنَا فَإِنَّ الْقَاتِلَ وَالشَّاهِدَ لَا يُصَدِّقَانِ عَلَيْهِ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ نَصِيبَهُ انْقَلَبَ مَالًا بِعَفْوِ شَرِيكِهِ وَصَدَّقَهُ الْقَاتِلُ بِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا كَذَّبَهُ الْقَاتِلُ وَصَدَّقَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّاهِدِ قَدْ سَقَطَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ بِالْعَفْوِ فِي حَقِّ مَنْ كَذَّبَهُ، وَهُوَ الْقَاتِلُ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَفْوِ وَأَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِالْعَفْوِ الْمُسْقِطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>