للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَمِ الْخَطَأِ وَفِي الْعَمْدِ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هَاهُنَا هُوَ الْمَالُ، وَهُوَ مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَإِذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ، وَالْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا وَعِنْدَ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ هَذَا دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِهِ وَاسْتِيفَائِهِ وَيَكُونُ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ نَافِذًا عَلَى مُوَكِّلِهِ.

وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ قِصَاصًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ حَتَّى يَكْبَرَ الصِّغَارُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ، وَهُوَ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ دُونَ الْوِرَاثَةِ، وَالْوِلَايَةُ لِلْكَبِيرِ دُونَ الصَّغِيرِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلْ لِلزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْإِخْوَةِ لِأُمٍّ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَأَمَّا عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ إرْثًا، ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيْ الدَّمِ فَلَا يَنْفَرِدُ الْكَبِيرُ بِاسْتِيفَائِهِ كَالدِّيَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَجْرِي فِيهِ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَالِاسْتِيفَاءِ مَا لَا يَجْرِي فِي الْعُقُوبَاتِ وَلِأَنَّ هَذَا قِصَاصٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْكَبِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا كَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالِاسْتِيفَاءِ لِانْعِدَامِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْغَائِبِ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِصَاصٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ بِمُقَابِلَتِهَا قِصَاصٌ وَاحِدٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا لِلْمَقْتُولِ بِمَنْزِلَةِ الدِّيَةِ؛ وَلِهَذَا إذَا انْقَلَبَ مَالًا فَإِنَّهُ يُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ، ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِي اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّطْرِ لِلْعِلَّةِ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَرِثُ جُزْءًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ سِهَامٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا يَسْقُطُ كَالنِّصْفِ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ وَبِمِلْكِ بَعْضِ الْقِصَاصِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُهُمْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِصَاصًا كَامِلًا لَمَا تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ عَلَى أَحَدِهِمْ بَعْدَ عَفْوِ الْآخَرِ وَبِالْعَفْوِ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَهَذَا الْكَلَامُ يَصِحُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ وَاجِبًا لِلْمُوَرِّثِ فَمَاتَ وَوَرِثَهُ جَمَاعَةٌ، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَا إشْكَالَ أَنَّ هَاهُنَا إنَّمَا يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ الْقِصَاصِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجِمٍ لَمَّا قَتَلَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَهُ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ قِصَاصًا، وَقَدْ كَانَ فِي أَوْلَادِ عَلِيٍّ صِغَارٌ وَلَمْ يَنْتَظِرْ بُلُوغَهُمْ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ أُخِذَ قَالَ: لِلْحَسَنِ إنْ عِشْتُ رَأَيْت فِيهِ رَأْيِي، وَإِنْ مِتُّ فَاقْتُلْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>