وَأَيَّدَ مَا قُلْنَا قَوْله تَعَالَى {، فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] بَيَّنَ أَنَّ الْقِصَاصَ لِلْوَلِيِّ الْقَائِمِ مُقَامَ الْمَقْتُولِ إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَنَقُولُ: الْقِصَاصُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ وَقَدْ ثَبَتَ سَبَبٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَإِمَّا أَنْ يَتَكَامَلَ فِيهِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ يَنْعَدِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مُتَجَزِّئًا وَلَمْ يَنْعَدِمْ بِاتِّفَاقٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ تَكَامَلَ فِيهِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا عَلَى أَنَّهُ تَعَدُّدُ الْقِصَاصِ فِي الْمَحَلِّ، وَلَكِنْ بِطَرِيقِ أَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالتَّزْوِيجِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَى مِنْ أَحَدِهِمْ الْقِصَاصَ فَإِنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لِلْبَاقِينَ شَيْئًا وَلَا لِلْقَاتِلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْقِصَاصِ وَاجِبًا لَهُ لَكَانَ ضَامِنًا بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا أَحَدُهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَعْدَ الْعَفْوِ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ، وَالْمَالُ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَيَظْهَرُ حُكْمُ التَّجَزُّؤِ عِنْدَ وُجُوبِ الْمَالِ وَهَذَا؛ لِأَنَّا لَوْ أَثْبَتنَا الْقِصَاصَ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ عَفْوِ الْآخَرِ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَدُّدُ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ فِي الْمَحَلِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ فِي الْمَحَلِّ فَأَمَّا قَبْلَ الْعَفْوِ لَوْ قُلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِيفَائِهِ لَا يَكُونُ مِنْ ضَرُورَتِهِ مُقَدِّرُ الْقِصَاصِ فِي الْمَحَلِّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ جَمِيعَ الْقِصَاصِ وَاجِبٌ لِلْحَاضِرِ، وَلَكِنْ فِي اسْتِيفَائِهِ شُبْهَةُ عَفْوٍ مَوْجُودٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ عَفَا، وَالْحَاضِرُ لَا يَشْعُرُ بِهِ وَعَفْوُ الْغَائِبِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ عَلِمَ بِوُجُوبِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ مَاتَ وَوَرِثَهُ الْقَاتِلُ لِسَبَبٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْرِفُهُ فَلِأَجْلِ الشُّبْهَةِ يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ عِنْدَ صِغَرِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ فَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ عَفْوُهُ بَعْدَ مَا يَبْلُغُ وَشُبْهَةُ عَفْوِهِ بِتَوَهُّمِ اعْتِرَاضِهِ لَا تَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْمِلْكُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ الْمَوْلَيَيْنِ فِي الْأَمَةِ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا بِانْفِرَادِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَالسَّبَبُ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي قِصَاصٍ كَانَ وَاجِبًا لِلْمُورِثِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ اسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالنَّصِّ وَذِكْرُ الْجُزْءِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي كَذِكْرِ الْكُلِّ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْكُلُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّبَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ كَامِلٌ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْكَبِيرَ هُنَاكَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْقِصَاصِ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا الْإِمَامُ هُوَ الْوَلِيُّ فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَخِ الْكَبِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْمَالِ فَكَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا الْوِلَايَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute