لِأَنَّ دَفْعَ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عِلَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ لِإِتْلَافِهِ فِي الْحُكْمِ فَأَمَّا قُوَّةُ الْمُصْطَدِمِ فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً مُعَارِضَةً لِدَفْعِ الصَّادِمِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ، وَإِنْ كَانَ لَوْلَا مَشْيُهُ وَثِقَلُهُ فِي نَفْسِهِ لَمَا هَوَى فِي الْبِئْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إنْسَانٌ غَيْرَهُ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ دُونَ الْحَافِرِ، وَإِنْ كَانَ لَوْلَا حَفْرُهُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَمَا أَتْلَفَهُ بِدَفْعِهِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالُوا: لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَجَاذَبَا حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَمَاتَا جَمِيعًا، فَإِنْ مَاتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفِعْلِ صَاحِبِهِ بِأَنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ بِجَذْبِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ وَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَفَاهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ عَلَى قَفَاهُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لَا بِجَذْبِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ سَقَطَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى قَفَاهُ فَدِيَةُ السَّاقِطِ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِهِ وَلَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَفَاهُ وَمَاتَ فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ لِلْحَبْلِ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ أَبِيهِ فَجَذَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَدِهِ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَاذِبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مُحِقٌّ فِي إمْسَاكِهِ، وَالْجَاذِبُ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَجَاذَبَا صَبِيًّا يَدَّعِي أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ، وَالْآخَرُ يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدُهُ، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِيه ابْنَهُ فَيَكُونُ هُوَ مُحِقًّا فِي إمْسَاكِهِ، وَالْآخَرُ مُتَعَدِّيًا فِي جَذْبِهِ وَلَوْ جَذَبَ ثَوْبًا مِنْ يَدِ إنْسَانٍ، وَهُوَ يَدَّعِي أَنَّهُ مِلْكُهُ فَتَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ جَذْبِهِمَا، ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فَلَهُ نِصْفُ قِيمَةِ الثَّوْبِ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِيه الْإِمْسَاكُ بِالْيَدِ وَمَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْجَذْبِ فَيُجْعَلُ التَّخْرِيقُ مُحَالًا بِهِ عَلَى فِعْلِهِمَا جَمِيعًا.
وَلَوْ عَضَّ ذِرَاعَ إنْسَانٍ فَنَزَعَ ذِرَاعَهُ مِنْ فِيهِ فَسَقَطَتْ أَسْنَانُ الْعَاضِّ، فَهُوَ هَدَرٌ وَلَوْ انْقَطَعَ لَحْمُ صَاحِبِ الذِّرَاعِ فَأَرْشُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاضِّ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى جَذْبِ الذِّرَاعِ مِنْ فِيهِ فَإِنَّ الْعَضَّ يُؤْلِمُهُ، وَهُوَ إنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ الْأَلَمِ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُحِقًّا فِي الْجَذْبِ، وَالْآخَرُ مُتَعَدِّيًا فِي الْعَضِّ.
وَلَوْ أَخَذَ بِيَدِ إنْسَانٍ فَجَذَبَ صَاحِبُ الْيَدِ يَدَهُ فَعَطِبَتْ يَدُهُ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَ بِيَدِهِ لِيُصَافِحَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي أَخَذَ؛ لِأَنَّ الْجَاذِبَ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى مَا صَنَعَ فَيَكُونُ هُوَ الْجَانِي عَلَى يَدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ يَدَهُ؛ لِيَعْصِرَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْآخِذِ؛ لِأَنَّ الْجَاذِبَ مُحْتَاجٌ إلَى الْجَذْبِ لِدَفْعِ الْأَلَمِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَلَوْ جَلَسَ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ فَقَامَ صَاحِبُهُ فَتَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ جَذْبِهِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْجَالِسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْجُلُوسِ عَلَى ذَيْلِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَاَلَّذِي بَيَّنَّا فِي اصْطِدَامِ الْفَارِسَيْنِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي اصْطِدَامِ الْمَاشِيَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا، وَالْآخَرُ عَبْدًا فَقِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute