للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ فَبِأَدَائِهِ قَدْ وَصَلَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَمَالُ حَقِّهِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ فَهُوَ مَا مَنَعَ إلَّا رَقَبَتَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ جَنَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحَلِّ الدَّفْعِ اسْتَحَقَّ وَلِيُّ الْقَتِيلِ نَفْسَهُ حِينَ جَنَى فَإِذَا كَانَ الدَّفْعُ مُتَعَذِّرًا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ جَنَى ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا يَتَيَسَّرُ هَذَا فِي فُصُولٍ: أَحَدُهَا إذَا عَجَزَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي يَسْعَى عِنْدَنَا وَيَدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ يَفْدِي وَعِنْدَ زُفَرَ يُبَاعُ فِي قِيمَتِهِ كَمَا يُبَاعُ فِي دَيْنٍ آخَرَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِالْجِنَايَةِ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ الْجِنَايَةِ لِحَقِّهِ فَيَكُونُ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ الْقِيمَةَ ابْتِدَاءً كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَعِنْدَنَا الدَّفْعُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا فِي الْحَالِ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْهُ بَعْدَ الْعَجْزِ فَلِتَوَهُّمِ الدَّفْعِ تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا عَجَزَ تَقَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ فَيَدْفَعُ بِهَا أَوْ يَفْدِي بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَفِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا تَنْبَنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْكِتَابَةِ هَلْ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمُكَاتَبِ؟ عِنْدَ زُفَرَ يُوجِبُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَعِنْدَنَا لَا يُوجِبُ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا إعْتَاقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَتَتَعَلَّقُ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَنَا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ بِقَضَائِهِ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى تَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَيَتَحَوَّلُ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ فِي الْمَغْصُوبِ الْآبِقِ أَوْ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْ الدَّفْعِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِمَوْتِهِ عَنْ وَفَاءٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْ الدَّفْعِ وَيَتَقَرَّرُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي الْقِيمَةِ.

فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: إذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ ثُمَّ جَنَى فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لِلْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِهَا وَمِنْ قِيمَتِهَا لِأَنَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي تَحَوَّلَ حَقُّ الْأَوَّلِ إلَى الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَفَرَغَتْ الرَّقَبَةُ مِنْهُ فَيَثْبُتُ فِيهَا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ يَجْنِيهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِمَا قَبْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي قَضَى فِي الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَتَيْنِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَلِيَّيْنِ فِي الرَّقَبَةِ مُعْتَبَرٌ حَتَّى لَوْ عَجَزَ دَفَعَ إلَيْهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ بِجَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ هَذَا وَمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي الْقِيمَةِ فِي ذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً وَفِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَمْلُوكِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ لَا تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فَكَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ مِنْهُ لِأَنَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وُجُوبَ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ.

فَإِنْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>