فِي النِّصْفِ الَّذِي وَهَبَهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مُسْتَهْلِكٌ لِذَلِكَ فَلِهَذَا يَغْرَمُ لَهُ سُدُسَ الْقِيمَةِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ الْمَوْهُوبُ بِتَمَلُّكٍ صَحِيحٍ مِنْ الْوَاهِبِ، وَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ.
وَإِنْ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ، ثُمَّ كَاتَبَ الْمَوْلَى الْمُدَبَّرَ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ جَانِيًا بِالْحَفْرِ السَّابِقِ، وَقَدْ كَانَتْ تِلْكَ الْجِنَايَةُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ أَوْ أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَعَتَقَ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْتَقِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَعَلَى هَذَا يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْحَفْرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا بِذَلِكَ الْحَفْرِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ عِنْدَ الْوُقُوعِ قَدْ يَكُونُ الْمُدَبَّرُ مَيِّتًا، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْجِنَايَةُ مِنْ الْمَيِّتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْحَفْرِ، ثُمَّ وَقَعَ الْمَوْلَى فِي الْبِئْرِ فَمَاتَ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا بِالْحَفْرِ، وَهُوَ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى عِنْدَ ذَلِكَ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدَرٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِيهَا عَبْدٌ لِلْمَوْلَى عِنْدَ ذَلِكَ وَالْمَوْلَى وَارِثَهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَا يَرِثُهُ إلَّا الْمَوْلَى فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ مُوجَبًا لِلْمَوْلَى عَلَى نَفْسِهِ إلَّا الْمُكَاتَبَ، فَإِنَّ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ يَوْمَ وَقَعَ فِيهَا وَمِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ حَفَرَ الْبِئْرَ يُؤَدَّى مِنْ ذَلِكَ مُكَاتَبَتُهُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا تَرَكَ وَفَاءً فَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الْمَوْلَى فَتُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ فِي إيجَابِ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَمِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ حَفَرَ لِيُؤَدِّيَ مِنْهُ الْمُكَاتَبَةَ فَتَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ، ثُمَّ مَا بَقِيَ مِيرَاثٌ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَدٌ حُرٌّ فَهُوَ مِيرَاثٌ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَوْلَى بِالْوَلَاءِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ الْبِئْرَ قَبْلَ أَنْ يُكَاتِبَ الْمَوْلَى هَذَا الْعَبْدَ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ فِيمَا اتَّصَلَتْ بِهِ حِينَ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهَا ابْنَ الْمَوْلَى وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَهُوَ ضَامِنٌ حِصَّةَ مَنْ يَرِثُ مَعَهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَسْقُطُ حِصَّتُهُ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ آخَرَ وَاجِبٍ لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ، ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّي حِصَّةَ الِابْنِ إلَّا آخَرَ.
وَلَوْ حَفَرَ الْمُدَبَّرُ الْبِئْرَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ فَمَاتَ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ فِي مَالِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ كَانَ جِنَايَةً مِنْهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى وَكَانَ مُوجِبُهُ الْقِيمَةَ عَلَى الْمَوْلَى إذَا اتَّصَلَ الْوُقُوعُ بِهِ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ مَا لَوْ حَفَرَ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ قِيمَةَ الدَّابَّةِ تَكُونُ فِي تَرِكَةِ الْمَوْلَى فِيهَا هُنَا قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْمَوْلَى شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَلَا عَلَى الْمُعْتَقِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute