طَرَفَ الْعَبْدِ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ بِطَرَفِ الْحُرِّ، وَلَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ إحْدَى الْيَدَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ يَغْرَمُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مِنْ الْجُثَّةِ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ خَاصَّةً فَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ الْيَدَيْنِ اعْتِبَارًا لِلْكُلِّ بِالْبَعْضِ وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ يُوفِرُ عَلَى الْمَوْلَى كَمَالَ بَدَلِ مِلْكِهِ وَمِلْكُهُ مُحْتَمَلٌ لِلنَّقْلِ فَلَا يُحْتَمَلُ لِلْبَدَلِ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مِلْكِهِ كَالْغَاصِبِ إذَا أَخَذَ مِنْهُ الْمَغْصُوبُ الْقِيمَةَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عِنْدَنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ فَمَعَ بَقَاءِ أَصْلِ مِلْكِهِ فِي الْعَيْنِ لَا يَمْلِكُ إيجَابَ الضَّمَانِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ، ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هَاهُنَا بَدَلٌ عَنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُقَدَّرُ بِمَالِيَّةِ الْعَبْدِ وَأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا حَقِيقَةً كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ الْقِيمَةِ بَدَلًا عَنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مُسْتَهْلَكًا حُكْمًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلٌ عَنْ الْكُلِّ فَيَمْلِكُ بِهِ مَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ دُونَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ، وَالْجُثَّةُ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً حُكْمًا فَهِيَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةٌ حَقِيقَةً، فَأَمَّا فِي الْحُرِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابِلَةِ الْجُثَّةِ إذْ لَا قِيمَةَ لَلْحَرْبِيِّ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْقِيمَةِ بِمُقَابَلَةِ الْجُثَّةِ إنَّمَا يُجْعَلُ لِيُتَمَلَّكَ وَالْحُرُّ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَلَوْ جَعَلْنَا الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ الْجُثَّةِ إنَّمَا يُجْعَلُ لِيُتَمَكَّنَ مِنْ إتْلَافِهِ الْجُثَّةَ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ.
فَأَمَّا إذَا قُطِعَ إحْدَى الْيَدَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ فَهُنَاكَ الْجُثَّةُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهَا فَيُجْعَلُ الْوَاجِبُ بِمُقَابِلَةِ الْمُتْلَفِ خَاصَّةً، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ مَالِيَّةِ الْمُعْتِقِ وَالْفَائِتُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ فَيُمْكِنُ جَعْلَ الْجُزْءِ بِمُقَابِلَةِ الْجُزْءِ وَهَا هُنَا الْوَاجِبُ جَمِيعُ مَالِيَّةِ الْعَيْنِ وَالْفَائِتُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَجَمِيعُ الْمَالِيَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ بِمُقَابِلَةِ الْجُزْءِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقِيمَةَ بِمُقَابِلَةِ الْكُلِّ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إذَا غَرِمَ نِصْفَ الْقِيمَةِ بِقَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ، فَأَمَّا إنْ مَلَكَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ جَانِبِ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ وَلِحَيَوَانٍ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ أَوْ نِصْفًا شَائِعًا مِنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ، وَقَدْ فَاتَ النِّصْفُ وَمُلِكَ نِصْفٌ فَمَا بَقِيَ فَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ بِضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ، فَأَمَّا هَاهُنَا الْوَاجِبُ جَمِيعُ مَالِيَّةِ الْعَيْنِ، وَلَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا جَمِيعُ مَالِيَّةِ الْعَيْنِ تَمْلِيكًا وَإِتْلَافًا، فَإِنْ أَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ الْجُثَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ عَلَى الْجَانِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ.
وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا الْخِيَارُ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الْجُثَّةَ وَيَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْخِيَارُ لِلْجَانِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْجُثَّةَ وَيَغْرَمَ الْقِيمَةَ وَبَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ النُّقْصَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute