تَبْطُلْ الْقِيمَةُ عَنْ السَّيِّدِ قَالَ؛ لِأَنِّي أَلْزَمْتُهَا إيَّاهُ وَمُرَادُهُ إذَا عَجَزَ بَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَلَى الْوَلَدِ، فَأَمَّا إذَا عَجَزَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ، فَقَدْ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَبَ لَوْ مَاتَ عَاجِزًا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ يَبْطُلُ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ الْوَلَدُ وَلَيْسَ فِي عُنُقِ الْوَلَدِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ.
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَجَنَى جِنَايَةً فَكَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَأَدَّى إلَيْهِ الْمُكَاتَبَةَ، ثُمَّ جَاءَ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ الْأَرْشِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ ضَامِنٌ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَصِيبِهِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَكِتَابَتُهُ فِي نَصِيبِهِ تَنْفُذُ فِي حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَيَتَأَكَّدُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ فَهُوَ وَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ كُلَّهُ سَوَاءٌ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَحْدَثَ بَعْدَ جِنَايَتِهِ شَيْئًا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَهُمَا وَيُضَمِّنُهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ أَيْضًا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِيهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، ثُمَّ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ ضَمِنَ نِصْفَ الْقِيمَةِ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ذَلِكَ مُتْلَفًا عَلَيْهِمْ بِإِعْتَاقِهِ، وَلَا سَبِيلَ لِأَصْحَابِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ مِنْ نِصْفِ مَا قَبَضَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَسْبُ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَلَى كَسْبِ الْجَانِي سَبِيلٌ، وَإِنْ كَاتَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ كَاتَبَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ بِالْجِنَايَةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمَا لَا تَتَجَزَّأُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُكَاتَبُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِنَصِيبِهِ، فَأَمَّا الْآذِنُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُ تَتَجَزَّأُ فِي نَصِيبِهِ فَكَانَ هَذَا فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ وَمَا لَوْ كَاتَبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ سَوَاءٌ.
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا، وَقَدْ جَنَى جِنَايَةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا، ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا، ثُمَّ عَجَزَ، ثُمَّ حَضَرَ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى قَالَ يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَيْهِمْ وَيَبِيعُهُ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ الْمَقْضِيِّ بِهَا فَيُبَاعُ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى بَاقِيَةٌ فِي رَقَبَتِهِ بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ دَفَعَ بِهَا فَكَانَ وُجُودُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، وَقَدْ تَحَوَّلَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَحِينَ عَجَزَ كَانَ عَبْدًا قَدْ اجْتَمَعَ فِي رَقَبَتِهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ فَيُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لِمُرَاعَاةِ الْحَقَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَيْءٍ حَتَّى عَجَزَ خَيَّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute