الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ لَهُمَا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ بِقَدْرِ حَقِّهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ غُصِبَ أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ فِي التَّخْرِيجِ سَوَاءٌ.
رَجُلٌ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدٍ لَهُ فَاسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالًا لِرَجُلٍ فَذَلِكَ دَيْنٌ فِي عُنُقِهِ يَسْعَى فِيهِ، وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا صَارَ الْكُلُّ مُكَاتَبًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النِّصْفُ مِنْهُ مُكَاتَبٌ وَمُكَاتَبُ النِّصْفِ لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ كَمُكَاتَبِ الْجَمِيعِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا قَتَلَ عَمْدًا وَلَهُ وَارِثٌ فِي كَسْبِهِ غَيْرُ الْمَوْلَى أَوْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فِي قِيمَتِهِ، وَلَا وَفَاءَ بِالْمُكَاتَبَةِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ ضَرَرًا عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَفِي إيجَابِ الْقِيمَةِ تُوَفَّرُ الْمَنْفَعَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُ كِتَابَتُهُ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَحَقُّ الْمَقْتُولِ فِي بَدَلِ نَفْسِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ فَإِيجَابُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَقْتُولُ أَوْلَى مِنْ إيجَابِ الْقِصَاصِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْمَقْتُولِ، وَلَا لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ بِسَبَبِهِ إذَا تَرَكَ وَارِثًا غَيْرَ الْمَوْلَى وَاشْتِبَاهُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَلَدٌ حُرٌّ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ أَيْضًا، وَإِنْ اجْتَمَعَ فِي طَلَبِهِ الْوَلِيُّ وَالْوَلَدُ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي كَانَ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَالْقِصَاصُ لِوَلَدِهِ، وَعَلَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمُوتُ عَبْدًا فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِمَوْلَاهُ وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فَبِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الْقَتْلِ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَبِاعْتِبَارِ الْمَآلِ الْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ حُرًّا فَلِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ اجْتَمَعَا عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ فَبِاجْتِمَاعِهِمَا لَا يَصِيرُ مُوجِبًا، وَإِنْ لَمْ يَدَعْ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا فَلَا قِصَاصَ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمَوْلَى وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِهَا، فَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ أَيْضًا، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِلِاسْتِيفَاءِ مَاتَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا قِصَاصَ فِيهِ لِاشْتِبَاهِ السَّبَبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ.
رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ مُكَاتَبٍ، ثُمَّ جَنَى الْمُكَاتَبُ عَلَى الْقَاطِعِ جِنَايَةً، ثُمَّ عَجَزَ فَعَلَى الْحُرِّ أَرْشُ الْجِنَايَةِ لِلْمَوْلَى وَيَدْفَعُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مَقْطُوعًا أَوْ يَفْدِيهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْحُرِّ بِجِنَايَتِهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَكَسْبُهُ لِلْمَوْلَى بَعْدَ الْعَجْزِ، ثُمَّ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ مَقْطُوعًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وُجِدَتْ مِنْهُ، وَهُوَ أَقْطَعُ الْيَدِ فَيُخَاطَبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ لِذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْحُرِّ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute