للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ وَالتَّبَرُّعِ إلَى آخَرِ الْمُدَّةِ فِي حُكْمِ الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ الصِّلَاتِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِحْقَاقُ الصِّلَةِ عِنْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا بِالْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْجِزْيَةِ وَفِي حَقِّ أَهْلِ الدِّيوَانِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ خُرُوجِ الْعَطَاءِ وَقَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يَصِرْ عَطَاؤُهُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ وُجُوبَهُ بِاعْتِبَارِ آخِرِ السَّنَةِ. فَمَتَى كَانَ يَجِيءُ ذَلِكَ الْوَقْتُ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَانَ الْعَطَاءُ الْوَاجِبُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مَحَلًّا لِأَخْذِ الدِّيَةِ مِنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ حَتَّى مَضَتْ سُنُونَ، ثُمَّ قَضَى بِهَا وَلَمْ يُخْرِجْ لِلنَّاسِ أَعْطِيَاتِهِمْ الْمَاضِيَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ الدِّيَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ الْأَعْطِيَةِ بِاعْتِبَارِ مُدَّةٍ مَضَتْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَمَحَلُّ الْأَدَاءِ الْأَعْطِيَاتُ الَّتِي تَجِبُ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا لَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْأَعْطِيَاتِ الْمَاضِيَةِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَيَسْتَقْبِلُ بِصَاحِبِ الدِّيَةِ الْأَعْطِيَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ.

وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ أَصْحَابَ رِزْقٍ يَأْخُذُونَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الرِّزْقَ فِي حَقِّهِمْ قَائِمٌ مَقَامَ الْعَطَاءِ، فَإِنَّ الْعَطَاءَ إنَّمَا كَانَ مَحَلًّا لِقَضَاءِ الدِّيَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ يَخْرُجُ لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلِأَجْلِهِ اجْتَمَعُوا وَأَثْبَتُوا أَسْمَاءَهُمْ فِي الدِّيوَانِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الرِّزْقِ إذَا كَانُوا أَصْحَابَ رِزْقٍ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ تَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَكُلَّمَا خَرَجَ رِزْقٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَمِقْدَارُ نِصْفِ سُدُسِ الثُّلُثِ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ رِزْقٍ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْتَوْفَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مِقْدَارَ الثُّلُثِ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ رِزْقٍ، وَإِنْ خَرَجَ الرِّزْقُ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ أَخَذَ مِنْ رِزْقِ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِحِصَّةِ الشَّهْرِ كَمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْأَرْزَاقَ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَخَرَجَ لَهُمْ رِزْقُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَخَذَ مِنْهُمْ سُدُسَ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَرْزَاقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَلَهُمْ أَعْطِيَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ دُونَ أَرْزَاقِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَرْزَاقَ إنَّمَا كَانَتْ خَلَفًا عَنْ الْأَعْطِيَاتِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْخَلَفُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَرْزَاقَ لَهُمْ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ فَأَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ يُؤَدِّي إلَى إضْرَارٍ بِهِمْ وَبِعِيَالَاتِهِمْ فَيَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَادَةً فَأَمَّا الْأَعْطِيَاتُ فَلَيْسَتْ لِكِفَايَةِ الْوَقْتِ وَلَكِنْ لِتَأَلُّفِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ فِي الدِّيوَانِ يَقُومُونَ بِالنُّصْرَةِ فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ مِنْ الْأَعْطِيَاتِ فَلِهَذَا قُلْنَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِفَرْضِ الدِّيَةِ مِنْ الْأَعْطِيَاتِ دُونَ الْأَرْزَاقِ

وَمَنْ جُنِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الثُّمُنِ الَّذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ فُرِضَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْهُمْ يَوْمَ يَقْضِي الْقَاضِي بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ تَنَاصُرَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>