للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ لِإِنْسَانٍ بِعَقْدِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ لَوْ لَمْ يَقَعْ فِي الْبِئْرِ أَحَدٌ حَتَّى تَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى رَجُلٍ فَوَالَاهُ وَعَاقَدَهُ، ثُمَّ جَنَى جِنَايَاتٍ كَثِيرَةً كَانَ عَقْلُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى الْآخَرِ عَلِمَ بِالْحَفْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ أَوْ لَا يَقَعُ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ مَعَ الثَّانِي صَحِيحًا وَعَقْلُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ فَبَعْدَ مَا عَقَلُوا إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ رَجُلٌ لَوْ قُلْنَا بِأَنَّ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بَطَلَ هَذَا كُلُّهُ وَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ، ثُمَّ اشْتَغَلَ فِي الْكِتَابِ بِالْكَلَامِ مَعَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: إنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ لَمْ يَشْتَبِهْ الْوَلَاءُ الْمُنْتَقِلُ بِعِتْقِ الْأَبِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِلْعَاقِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَكُونُ إحْدَاهُمَا عَاقِلَةً، ثُمَّ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْعَاقِلَةِ الْأُخْرَى، وَقَدْ قُلْت: إذَا تَحَوَّلَ مِنْ دِيوَانٍ إلَى دِيوَانٍ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي أَنَّهُ يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ الَّذِي انْتَقِلْ إلَيْهِمْ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَرْقِ فَقَالَ: إذَا انْتَقَلَ مِنْ وَلَاءٍ إلَى وَلَاءٍ صَارَتْ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي حَقِّهِ غَيْرَ الْحَالَةِ الْأُولَى فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ وَنَظِيرُهُ مَا بَيَّنَّا فِي الْمَرْأَةِ الْجَانِيَةِ إذَا ارْتَدَّتْ فَسُبِيَتْ وَأُعْتِقَتْ وَصَاحِبُ الْعَاقِلَتَيْنِ لَمْ يَتَحَوَّلْ حَالُهُ بَلْ حَالُهُ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَحَوَّلَتْ عَاقِلَتُهُ بِتَحَوُّلِهِ مِنْ دِيوَانٍ إلَى دِيوَانٍ فَلِهَذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ عَاقِلَتَهُ وَقْتَ الْقَضَاءِ وَاسْتَوْضَحَ هَذَا بِمَا بَيَّنَّا أَنَّ نَفْسَ الْقَتْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ النَّفْسُ، فَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الدِّيَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَعِنْدَ الْقَضَاءِ الْعَاقِلَةُ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهُ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَوَّلًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِقْرَارِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ، ثُمَّ اسْتَوْضَحَ هَذَا بِمَسْأَلَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَقَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ حَتَّى صَالَحَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْ دِينَارٍ أَوْ عَلَى مِائَتِي بَعِيرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ آلَافِ شَاةٍ أَوْ ثَلَثِمِائَةِ بَقَرَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَرُدَّ إلَى الدِّيَةِ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ فَصَالَحَ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ مِائَتِي بَعِيرٍ بِأَعْيَانِهَا كَانَ جَائِزًا فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ النَّفْسَ إنَّمَا تَصِيرُ مَا لَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالْقَضَاءُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ بَدَلُ النَّفْسِ وَبَدَلُ النَّفْسِ شَرْعًا مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَبَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالدَّنَانِيرِ قَدْ وَجَبَتْ الدَّنَانِيرُ، فَإِنَّمَا يَقَعُ الصُّلْحُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى الدَّرَاهِمِ أَوْ الْإِبِلِ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُهَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ عِنْدَهُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لَيْسَا بِأَصْلٍ فِي الدِّيَةِ وَلَا يَدْخُلُهُمَا التَّقْدِيرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحُ عِنْدَهُ عَلَى أَيِّ مِقْدَارٍ كَانَ مِنْهَا وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْقَاضِي لَوْ قَضَى فِي الدِّيَةِ بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَانَ قَضَاؤُهُ نَافِذًا فِيمَا يَقْضِي بِأَلْفَيْ شَاةٍ وَمِائَتِي بَقَرَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اصْطَلَحَ الْخَصْمَانِ؛ لِأَنَّ صُلْحَهُمَا فِي حَقِّهِمَا كَقَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي فِي الدِّيَةِ بِثَلَاثَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>